رغم صعوبة موضوع كهذا، سأحاول الاجتهادفي طرحه بطريقة لائقة أتمنى أنا تلقى استحسان المشرفين على أنيفضي في النهاية إلى نقاش بنٌاء يعود بالفائدة على الجميع.
تألمنا يوميا عشرات الصور التي تصلنا منمختلف وسائل الإعلام المسموعة،المقروءة والمرئية عن مشاهد فضيعة لحوادث سير فيمختلف أقطار البلاد العربية، تستوجب منا أكثر من وقفة وطرح أكثر من سؤال.
لكن بحكم انتمائي إلى بلد يعتبر في مقدمةالدول المتأثرة بهذه الظاهرة، فسأستمد مجموعة من الإحصاءات. لكن طبعا دون ذكر اسمه حفاظا على قوانين المنتدى.
يعتبر الإفراط في السرعة وسوء الطرق وعدمانتباه الراجلين إضافة إلى تردٌي الحالة الميكااضربية للعربات من أهم أسبابحوادث السير لما لها من تأثير فادح على الأرواح والممتلكات. حيث يحتلأحد البلدان العربية حسب الإحصاءات الرسمية المرتبة الأولى على مستوى العالم العربي في نسبةحوادث السير بينما يحتل السادسة عالميا بمعدل سنوي لعدد القتلى يتجاوز 3800 قتيلا،فهناك 10 قتلى وحوالي 206 جرحى يوميا، وأكثر من 1.5 مليار دولار سنويا كخسائر مادية،فهذا الواقع ليس وليد اليوم بل يرجع لبداية الثمانينات، حيث تبين الإحصائياتالرسمية لمديرية الطرق في ذلك البلد أن سنة 1982 كانت قد سجلت 25000 حادثة، بمعادل 68 حادثةيومياً، نتج عنها وفاة 2500 ضحية، لكن هذا الرقم قفز ليصل سنة 1992 إلى 41331حادثة، أي بمعدل 120 حادثة في اليوم، ونتج عن ذلك سقوط 3524 ضحية بمعدل 10 قتلىتقريبا في اليوم. وتشير نفس الإحصاءات إلى أن أكثر الحوادث مأساوية خلالالسنوات الأخيرة كان مصدرها حافلات النقل العمومي والتي تلاقي إقبالا كبيرا فيالعطل والأعياد، وهي مناسبات سجلت عددا كبيرا من الضحايا نظرا للعدد الكبير منالأشخاص الذي تقلهم رافعة بذلك ضراوة الحوادث والفواجع فوق الطرق. فلا نستغرب إذا سمعنا أن في مدة لاتتجاوز 20 يوما سجلت 1500 حادثة سير لقي فيها 33 شخصا مصرعهم وأصيب 1798 آخرونبجروح، إصابات 116 منهم بليغة، وعزت الإدارة العامة للأمن الوطني الأسباب الرئيسةلهذه الحوادث بالخصوص إلى "عدم التحكم في القيادة، وعدم انتباه الراجلين، وعدماحترام أسبقية اليمين، والإفراط في السرعة وعدم انتباه السائقين وعدم الوقوفالإجباري عند علامة قف".
أما في إحصاء آخر لنفس البلد، لقي 12 شخصا مصرعهم وأصيب 1328 آخرون بجروح 81 منهم إصاباتهم بليغة في 982 حادثة سير بدنيةوقعت داخل المجال الحضري وحده من 10 إلى 16 غشت من هذا العام. متجاوزة بذلك عدد قتلى أفغانستان و العراق فلسطين مجتمعين. وعزا بلاغ للمصالح الأمنية الأسباب لوقوع هذه الحوادث لعدم التحكم في القيادة وعدمانتباه الراجلين وعدم احترام أسبقية اليمين و السرعة المفرطة وعدم انتباه السائقينوتغيير الاتجاه بدون إشارة والسير في يسار الطريق وتغيير الاتجاه غير المسموح بهوعدم الوقوف الإجباري عند علامة قف والتجاوز المعيب والسير في الاتجاه الممنوعوالسباقة في حالة السكر وعدم الوقوف الإجباري عند إشارة الضوءالأحمر. ويشكل وقت انتهاء دوام العملوالدراسة أكثر الأوقات التي تسجل فيها حوادث السير، حيث تشهد الشوارع والطرقاتاختناقات عديدة في ساعات الذروة، ولنا في المدن الكبرى خير مثال، حيث يصبح التنقل فيها نوعا من الغامرة.
ويقول أحد المسئولين في أحد اللجان المختصةفي الوقاية من حوادث السير لذلك البلد، إن "أسباب الحوادث تتعلق إما بوضعية الطريق المتردية، أوبظروف التنقل عبرها، أو بالحالة الميكااضربية للحافلات، إضافة إلى إهمال وتهورالسائقين، كما تعتبر السرعة المفرطة وعدم استخدام حزام الأمان، وشرب الكحول من أقوىالأسباب المؤدية إلى حوادث مميتة". عدم التحكم في القيادة، وعدم انتباهالراجلين، وعدم احترام أسبقية اليمين، والإفراط في السرعة، والأمية المتفشية فيأوساط كثير من السائقين، وعدم الوقوف الإجباري عند علامة قف". تضاف إلى ذلكالزيادة الحاصلة في عدد العربات المستعملة للطرق في العقدين الأخيرين بسبب الزيادةالسكانية التي شهدها البلد، كما أن السماح لعربات متهرئة بالسير على الطريق منالأسباب المباشرة في مضاعفة أرقام الخسائر. ويرى ذلك المسئول أن "السائق يتحمل الجزءالأكبر من المسؤولية في مختلف أشكال المجازفة التي يقوم بها والتي تؤدي إلى وقوعالحوادث، فالحادثة لا تقع صدفة لذلك يجب عليه أن يكون حذرا في سياقته، ومتوقعابصورة مسبقة للتصرفات المحتملة لمستعملي الطريق الآخرين"، ويضيف أن "استعمال سيارةغير مصونة بصورة جيدة تعرض سائقها لمخاطر عندما تنعدم فيها شروط الأمن والسلامة،فنسبة كبيرة من الحوادث تعود إلى حالة السيارة وبالخصوص العجلات والفراملوالإنارة". ويؤكد أن "حالة الطريق في كثير من الأحيان تكونالمسبب الرئيسي للحوادث، خاصة إذا كانت سيئة مثل وجود حفر في وسط الطريق أو ضيقالطريقأو عدم توفر على إشارات ضوئية في التقاطعات المزدحمة". كمايشير إلى "الظروف الجوية التي تتسبب في حوادث السير، كالرؤية الضعيفة في الليلوالنهار وعند هطول الأمطار أو الثلوج تنجم عنها حوادث مرورية، ولتجنب الوقوع ضحيةهذه الظروف لابد من التأني والانتباه وتقليل السرعة". وللحد من هذهالآفة فرضت حكومة ذلك البلد منذ سنة 2006 مجموعة قوانين صارمة من أجل الحد من حوادث السيروقامت إدارة المرور بتطبيق تلك القوانين التي منعت استعمال الهاتف الجوال أثناءالقيادة، وحظرت ركوب الأطفال الصغار في المقعد الأمامي، كما ألزمت السائق باستعمالحزام السلامة، وحددت السرعة القصوى للشاحنات بـ85 كيلومترا في الساعة خارج المدن،وحرمت السياقة في حالة السكر، كما فرضت نصوص ذلك القانون إجراءات تأديبية علىالمخالفين كالغرامة المالية وسحب بطاقة السياقة، وفي حالة التكرار تصل العقوبة إلىالحبس لشهرين. وفي السياق نفسه أثمرت عملياتالمراقبة والزجر تلك في ميدان السير والجولان لمصالح الأمن من 10 إلى 16غشت من هذاالعام أيضا حيث سجلت 18 ألف و 107 مخالفة وأنجزت 9121 محضرا أحيل على النيابةالعامة وأضاف أن عدد الغرامات الصلحية التي تم استخلاصها بلغ 8986 غرامة وأنالمبالغ المتحصل عليها بلغت أزيد من 256 ألف دولار في حين بلغ عدد العرباتالموضوعة في المحجز البلدي 5631 عربة وعدد رخص السياقة المسحوبة 1864رخصة.
أما حاليا فتلك الحكومة تعكف على إصدار قانون جديدللسير ينتظر أن يحمل عقوبات زجرية كبيرة لمخالفي قانون السير رغم الصعوبات التيلاقاها سيما من طرف أرباب مهني النقل لإغفال الجانب الاجتماعي على حد قول النقاباتالمنضوين تحت لوائها.
غير أن القوانين والعقوبات وحدها لا تكفي للحد منمثل هذه الآفة، بل لا بد من نشر الوعي ليدرك المجتمع مخاطر الطريق، وما يمكن أنيسببه من كوارث على أن يتسع ذلك دائرة التوعية لتشمل كل الفئات والأعمار فتنتقل منالتوعية في الشارع عبر الملصقات واللوحات الاشهارية إلى التوعية في المدرسة عبرتنظيم أيام تثقيفية لغرس روح الوعي بأصول الأمن والسلامة الطرقية، وانتهاء بالقيامبحملات عبر وسائل الإعلام لدعوة مستعملي الطريق إلى المزيد من الحيطةوالحذر.
وأكد تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة بشأن السلامةالطرقية أن حوادث السير تتسبب في مقتل مليون ونصف مليون شخص سنويا، وإصابة وجرح مايقارب 50 مليون شخص، وجاء في التقرير تحذير موجه للدول النامية من ارتفاع نسبةحوادث السير بـ80 % سنة 2020 إذا لم تتخذ إجراءات فورية لتحسين السلامة علىالطرق. وخلص التقرير إلى أن حوادث المرور هي ثاني أهم أسباب وفيات صغار السنوالشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و29 سنة في جميع أنحاء العالم، كما أنها ثالثعامل مهم في وفيات الأشخاص الذين يتراوح سنهم بين 30 و44 سنة. وبعد الجدل الكبيرالذي أثارته النسب العالية الناتجة عن حوادث السير خصصت جمعية الأمم المتحدة يوماعالميا لتخليد ذكرى ضحايا الحوادث وهو الثالث من شهر نوفمبر من كلسنة.
ألا يصح إخواني التعبير الذي يطلقعلى هذه الآفة(حرب الطرق)؟
و إلى متى سيستمر هذاالنزيف؟
هل ستضل العقوبات هي الحل الوحيد للحد من هذهالظاهرة؟
أين الدولة والمجتمع المدني على حد سواء منهذا التحدي؟
أتمنى أن يناقش هذا الموضوع بكل جدية على أنيكون فيه إضافة فيها نفع للجميع.