تظل « لالا فاطمة نسومر » نموذجاً فذاً لكفاح المرأة الجزائرية بتمردها
على الظلم والطغيان ، وأسطورة تروى جيلا بعد جيل ،.فهذه المرأة استطاعت
بكل ما تملك الأنثى من سلاح أن تقهر أعلى الرتب العسكرية في الجيش الفرنسي
الاستعماري الذي أراد أن يقتحم عرين اللبؤة ،ناهيك عما امتازت به من الأدب
والتصوف والذكاء الخارق ، وما انفردت به من بطولة وشجاعة ودراية وحنكة في
إدارة المعارك ، وهي التي واجهت عشرة جنرالات من قادة الجيش الفرنسي
فلقنتهم دروس البطولة والفروسية . فهي قد نشأت في أسرة تنتمي في سلوكها
الاجتماعي والديني إلى الطريقة الرحمانية ، فأبوها سيدي « محمد بن عيسى »
مقدم الشيخ الطريقة الرحمانية ، وكانت له مكانة مرموقة بين أهله وكان
يقصده العامة والخاصة لطلب المشورة وأمها هي لالا خديجة التي تسمى بها
جبال جرجرة بالجزائر .
المولد و النشأة: ولدت لالا فاطمة بقرية ورجة سنة 1246ه/1830م وتربت نشأة دينية. لها أربعة
إخوة أكبرهم سي الطاهر. و تذكر المصادر التاريخية ما كان للمرأة من خصائص
تميزها عن بنات جبلها، من سحر الجمال و رقة الأدب و الذكاء الخارق.
نشأت لالا فاطمة نسومر في أحضان أسرة تنتمي في سلوكها الإجتماعي و الديني
إلى الطريقة الرحمانية، أبوها سيدي محمد بن عيسى مقدم زاوية الشيخ سيدي
احمد امزيان شيخ الطريقة الرحمانية. كان يحظى بالمكانة المرموقة بين أهله،
إذ كثيرا ما كان يقصده العامة و الخاصة لطلب النصح و تلقي الطريقة ، أما
أمها فهي لالا خديجة التي تسمى بها جبل جرجرة.
و عند بلوغها السادسة عشر من عمرها زوجها أبوها من المسمى يحي ناث إيخولاف
إذ قبلت به على مضض بعدما رفضت العديد من الرجال الذين تقدموا لخطبتها من
قبل ، لكن عندما زفت إليه تظاهرت بالمرض و أظهرت كأن بها مسّ من الجنون
فأعادها إلى منزل والدها و رفض أن يطلقها فبقيت في عصمته طوال حياتها.
آثرت حياة التنسك و الانقطاع و التفرغ للعباة، كما تفقهت في علوم الدين و
تولت شؤون الزاوية الرحمانية بورجة. و بعد وفاة أبيها وجدت لالا فاطمة
نسومر نفسها وحيدة منعزلة عن الناس فتركت مسقط رأسها و توجهت إلى قرية
سومر أين يقطن أخوها الأكبر سي الطاهر، و إلى هذه القرية نسبت .تأثرت
لالاّ فاطمة نسومر بأخيها الذي ألّم بمختلف العلوم الدينية و الدنيوية مما
أهله لأن يصبح مقدما للزاوية الرحمانية في المنطقة و أخذت عنه مختلف
العلوم الدينية، ذاع صيتها في جميع أنحاء القبائل. قاومت الاستعمار
الفرنسي مقاومة عنيفة أبدت خلالها شجاعة و بطولة منفردتين، توفيت في سبتمبر
1863، عن عمر يناهز 33 سنة.
جهادها ضد الغزو الفرنسي: برهنت فاطمة على أن قيادة المقاومة الجزائرية ليس حكر على الرجال فقط بل شاركت فيها النساء، و فاطمة نسومر
شبت منذ نعيم أظافرها على مقت الاستعمار و مقاومتها له رغم تصوفها و
تفرغها للعبادة و التبحر في علوم الدين التنجيم، إلا أن هذا لم يمنعها من
تتبع أخبار ما يحدث في بلاد القبائل من مقاومة زحف الغزاة الفرنسيين و
المعارك التي وقعت بالمنطقة لا سيما معركة تادمايت التي قادها المجاهد
الجزائري الحاج عمر بن زعموم ضد قوات الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال بيجو
سنة 1844، كما أنها لم تكن غافلة على تمركز الغزاة الفرنسيين في تيزي وزو
بين 1845-1846، و في دلس 1847 تم محاولة الجنرال روندون من دخول الأربعاء
ناث إيراثن عام 1850التي هزم فيها هزيمة منكرة . و لما واتتها الظروف
انضمت إلى المقاومة حيث شاركت بجانب بوبغلة في المقاومة و الدفاع عن منطقة
جرجرة و في صد هجومات الاستعمار على أربعاء ناث إيراثن فقطعت عليه طريق
المواصلات و لهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش و شيوخ الزوايا و القرى،
و لعل أشهر معركة قادتها فاطمة نسومر هي تلك التي خاضتها إلى جانب الشريف
بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة
الجنرالين روندون و ماك ماهون فكانت المواجهة الأولى بربوة تمزقيدة حيث
أبديا استماتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ القوات عدة وعددا إضطر
الشريف بوبغلة بنصيحة من فاطمة نسومر على الإنسحاب نحو بني يني ، وهناك
دعيا إلى الجهاد المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا و وكالاء مقامات أولياء
الله فجندوا الطلبة و المريدين و اتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية
لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة الجنرالين زوندون و يوسف التركي و
معهما الباشا آغة الخائن الجودي، فاحتدمت المعركة وتلقت قوات العدو هزيمة
نكراء، و تمكنت لالا فاطمة نسومر من قتل الخائن الجودي بيدها كما استطاعت
أن تنقذ من موت محقق زميلها في السلاح الشريف بوبغلة حينما سقط جريحا في
المعركة.