المصير
دخل الغرفة واستلقى على السرير
برهة من الزمن مطبقا أجفانه
يريد استرجاع ما مر به من أحداث طيلة يومه.
لكنه لم يقوى على تذكر إلا القليل منها، فهو منذ
خروجه صباحا من مسكنه هام على وجهه في أزقة وطرقات
المدينة جيئة وذهابا لا يدري إلى أين المستقر.
عاد به الزمن عند وقوفه على قارعة الرصيف يريد العبور
إلى الجانب الآخر من الطريق، يحاول جاهدا البحث في مخيلته
عن الشخص الذي رآه يمر أمامه بسرعة البرق، نعم
ملامحه ليست بالغريبة عنه، أكيد هو يعرفه لكن
لم يتذكر عنه شئ.
غلبه النعاس فاستسلم لنوم عميق ولم يفق إلا على صوت
احد الباعة الجوالين ينادى مشهرا بضاعته.
فقام بخطوات متثاقلة متجها إلى الحمام
يريد اخذ حمام بارد عله يسترد به قليلا من نشاطه، لكن
ليس به ماء يا له من يوم بدايته كلون الغراب.
الحمد لله هناك قنينة بها قليلا من الماء
ففرك به وجه وشرب منه القليل وذهب إلى النافذة ليفتحها
.... يا لهول ما رأى نفس الشخص الذي رآه بالأمس يقف
مواجها النافذة يرتدي حذاءه بسرعة البرق وينزل السلم
درجة واحدة ولكنه عند وصوله إلى باب العمارة لم جد ذاك
الشخص، وعاد يجر أذيال الخيبة من جديدة.
لكنه قرر ألا يترك الفرصة القادمة تمر دون التعرف على ذاك
الشخص مهما كلفه الآمر.
ثم انصرف إلى اقرب مقهى وجلس إلى طاولة قرب النافذة
طالبا كوبا من الحليب رفقة قطعة خبز، وما أن هم برشف
القليل منه ألا عاد نفس المشهد أمامه، يا الله ماذا يريد مني ولما
يلاحقني ذاك ...
الطيف أينما ذهبت ؟ وسرت في جسده قشعريرة هزت كل كيانه،
وضحك على نفسه ملاْ شدقيه، كم كنت أبلها أنا، لما أنا خائف؟
الم أكن منذ زمن ليس ببعيد يهابني الكبير قبل الصغير
ويفر من أمامي كل من رآني، يا لهذا الزمن المتغير...
وبينما يحدث نفسه ومرة أخرى نفس الشخص، يقوم من مكانه
يرتعد من شدة الخوف... لكن هذه المرة ليس طيفا يكاد يكون حقيقة
يستجمع قواه ويقرر الذهاب إليه.
وعند الوصول إليه لم ير من وجهه إلا القليل، لقد كان يخفيه
تحت قبعته الكبيرة، وما إن كشف له عنه وجهه حتى سقط
على الأرض صعقا لهول ما رأى...
يا رب ابعد مرور كل هذه السنين الطوال لازال يذكرني
وهو قادم إلي لينتقم مني...
لم أكن أتوقع ذلك، لكنه اليوم أمامي يريد الانتقام
ما العمل والى أين المفر؟
سأعترف قبل أن أتعرض إلى مكروه منه وحتى أبرئ ذمتي،
لعل الله يغفر لي، لقد أذنبت في حقه ووضعته موضع سخرية
من الناس، أعترف لقد كنت متعجرفا سباقا إلى الشر
بمعانيه الكثيرة لم أكن أعطي اعتبار لأي كان
ولم أكن احترم كبيرا ولا اعطف على صغير،
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه لقد فات الأوان ...
وبدأت الذكريات السيئة تمر أمامه الواحدة تلو الأخرى،
كل حياته كانت مليئة بالأخطاء وبالذنوب التي لا تغتفر،
لقد كان شخصا غير مرغوب فيه في المجتمع لما كان يتسم
به من صفات قبيحة ولا إنسانية ولا تمت للبشر في شئ.
يا رب لا أريد الموت الآن أمهلني حتى اطلب الصفح
ممن كنت سببا في إيذائهم وممن تعديت عليهم
وسلبتهم حقوقهم وأموالهم... واعمل صالحا.
لكن هو لا يعلم بان الموت اقرب إليه من حبل الوريد.
ولا يدري بان ظلم الناس لا يمكن غفرانه
آو التغاضي عنه...
والآن لم يعد إلا ذكرى أليمة في نفوس الناس...
انتهى
وانتهى...
------------------------------------------
هذه القصة من تاليفي
انتظر نقدكم.