موضوع: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 1:53 pm
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله أبدا بالدرس الاول:
المنهج التجريبي في علوم المادة
مقدمة وتمهيد (نشأة العلوم التجريبية): إذا كان ميدان الرياضيات هو المفاهيم العقلية المجردة فإن ميدان العلوم التجريبية هو الواقع المحسوس والملموس وإذا كان المنهج الرياضي منهجا عقليا استنباطيا، فإن منهج العلوم التجريبية، بالضرورة تجريبيا ينطلق فيه العالم من دراسة الوقائع ليصل إلى قانون يحكمها. وإذا عدنا إلى الواقع الذي يعد موضوعا للعلوم التجريبية وجدنا ظواهره متباينة فمنها ما يتصل بالمادة الجامدة وهذه من اختصاص علم الطبيعة (الفيزياء) ومنها ما يتصل بالمادة الحية وهذه تشكل موضوعا لعلم البيولوجيا (علم الأحياء) ومن هذه الظواهر ما يتصل بالإنسان وهي من اختصاص العلوم الإنسانية باختلاف فروعها. تسمى هذه العلوم علوما تجريبية لأنها تتبنى المنهج الاستقرائي التجريبي في أوسع معاينة أي باعتباره منهجا ينتقل الباحث فيه من الظواهر إلى القوانين التي تحكمها. ويمر هذا المنهج بمراحل مختلفة تبدأ بالملاحظة ثم الفرض ثم مرحلة التجريب وصولا إلى القانون وقد حدد كلود برنار هذه المراحل في قوله "الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتوجهها، والتجربة تحكم بدورها على الفكرة". والمنهج التجريبي بهذا المعنى لم يكن حديث النشأة بل يعود في جذوره إلى مفكري الإسلام ويمكن أن نذكر بعضا منهم العالم والطبيب الفيلسوف ابن سينا من خلال كتابه "القانون في الطب وأبا بكر الرازي من خلال كتاب "الحاوي" ومن كبار علماء الكيمياء "جابر بن حيان" ومن علماء الطبيعة الأجلاء الحسن بن الهيثم الذي يعد أول من طبق الرياضيات في دراسة الظواهر الطبيعية. فقد تحدث جابر بن حيان عما أسماه بالدّربة والمقصود بها اليوم التجربة واعتبارها شرطا ضروريا لقيام العلم كما تحدث عن ضرورة تحديد المعاني أو ما نسميه اليوم بتحديد المفاهيم والمصطلحات ووضع بخصوص ذلك رسالة عنوانها "الحدود".ويرفض قبول أية حقيقة تنقل عن الغير ما لم يتثبت من صحتها تجريبيا أما لحسن ابن الهيثم الذي هو من كبار علماء الطبيعة كما قلنا سابقا فقد طبق المنهج الاستقرائي في دراسة ظاهرة الانعكاس وظاهرة الانعطاف في الضوء وانتهى إلى إبطال الرأي اليوناني القائل أن الرّؤية تتم عن طريق شعاع يصدر عن العين المبصرة. وأثبت أن الأمر يتعلق بالضوء الذي له وجود في ذاته. ومن الأسس الهامة التي أقام عليها منهجه التأكيد على ضمان الأمانة العلمية والتحلي بالموضوعية ويقول "ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا إتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء". ويعترف مفكرو الغرب أنفسهم بجهود العلماء المسلمين في البحث ومن هؤلاء جون هارمان رائل إذ يقول "كان العرب في القرون الوسطى يمثلون التفكير العلمي والحياة الصناعية العلمية الذين تمثلها في أذهاننا اليوم ألمانيا الحديثة، وخلافا للإغريق لم يحتقر العرب المختبرات العلمية والتجارب الصبورة". ويقول بريفو brifflault "إن ما ندعوه علما قد ظهر في أوربا نتيجة لروح جديد في البحث وطرق جديدة في الاستقصاء ...والطرق التجريبية والملاحظة والقياس، والتطورفي الرياضيات في صورة لم يعرفها اليونان، هذه الروح وتلك المناهج أدخلها العرب إلى العالم الأوروبي..." إن مثل هذه الشهادات وإن كانت تدل على جهود المسلمين في البحث العلمي إلا أنها لا تجعلنا في غفلة عن التطورات الهامة التي حدثت منذ ذلك التاريخ في مجالات البحث العلمي فلقد أكمل الدرب رواد مبدعون من أمثال روجر بيكون وفرنسي بيكون، جون استورت مل وكلودبرنار. خطوات المنهج التجريبي الملاحظة: المدلول العام لكلمة ملاحظة هو أنها مشاهدة للظواهر على ما هي عليه في الطبيعة، والملاحظة كخطوة أولى من خطوات المنهج التجريبي ليست مجرد مشاهدة حية بل هي عملية هادفة يسعى من ورائها العالم إلى تحويل الظواهر من ظواهر تحدث في الطبيعة هكذا إلى حوادث علمية. ولهذا تختلف عن الملاحظة العادية -ونقصد بهذه الأخيرة تلك التي يمارسها الرجل العادي بشكل عفوي في حياته- في كون الأولى مقصودة أما الثانية فعابرة لا تثبت ولا تنفي شيئا. ويترتب عن ذلك أن الأولى تضيف شيئا جديدا إلى العلم في حين أن الثانية لا تضيف معرفة جديدة. والملاحظة العلمية يمكن أن تكون حسية أي تعتمد على الحواس مباشرة لمعرفة حوادث الطبيعة وهي التي تعرف بالملاحظة المباشرة. ويمكن أن تكون ملاحظة مسلحة وهي التي يستعين فيها الملاحظ بالآلات ووسائل يقوى بها حواسه لأن الآلات تساعد على إدراك ما لا تدركه الحواس في الظواهر وفي هذا يقول كلورد برنار "لا يستطيع الانسان أن يلاحظ الحوادث المحيطة به إلا داخل حدود ضيقة، لأن القسم الأعظم منها يقع خارج نطاق حسه، فلا يقنع بالملاحظة البسيطة، بل يوسع مدى معرفته ويزيد قوة أعضائه بآلات خاصة، كما يجهز نفسه بأدوات مختلفة تساعده على النفاذ إلى داخل الأجسام لتقييمها، ودراسة أجزائها الخفية". شروط الملاحظة: حتى تكون الملاحظة علمية ينبغي أن تتوفر على ثلاثة شروط أساسية: 1. الموضوعية: ينبغي أن تكون الملاحظة موضوعية تنقل لنا الحوادث كما هي في الطبيعة أي أن الملاحظة ينبغي له أن يكون كآلة التصوير الفوتوغرافي ينقل لنا الظاهرة بدقة ولا يتدخل في مجرى الظاهرة. 2. الدقة: ينبغي أن لا تؤخذ الظاهرة أثناء الملاحظة على أنها بسيطة بل على العالم أن يعتقد بتداخل وتشابك الظواهر والغرض من ذلك الحرص على الملاحظة بدقة. 3. صيانة الآلات والأجهزة: مادام اللجوء إلى الوسائل التقنية شرط ضروري للبحث العلمي وهذا يعني أن الاعتماد عليها دائم ومستمر ولذا يجب على العالم أن ينتقي أدواته ووسائله بدقة كان تكون متطورة ودقيقة وأن يخضعها للمراقبة والصيانة المستمرتين لأن أي خلل في الآلة يعني تشوه الملاحظة وهذا ما ينعكس سلبا على نتائج البحث. الفرضية: إذا كانت الملاحظة هي نقل للظاهرة من المجال الطبيعي الخام إلى المجال العلمي لتتحول الظاهرة إلى حادث علمي فإن الفرضية هي نقل الظاهرة من المجال الحسي إلى المجال العقلي ولذا تعرف الفرضية بأنها فكرة عقلية مؤقتة أو حل مؤقت للظاهرة أو كما يقول غوبلو الفرضية قفزة نحو المجهول والفرضية حل مؤقت كما قلنا يتوقف قبوله أو رفضه على ما تؤدي إليه التجربة والفرض العلمي ضروري في البحث مثلا الفرض العلمي الذي يفسر عدم ارتفاع الماء في الأنابيب فوق 10.33 م بسبب الضغط الجوي. يقول ماخ "إن هذه الفكرة ضرورية ولولاها لما استطاع العالم أن يجرب لأن التجربة تتبع الفكرة والفكرة تعين الاتجاه العلمي وتقود المجرب فيسترشد بها في عمل التجربة" عن الفرضية مجهود عقلي يحاول وضع حد للتساؤلات التي أدى إليها الحادث المشكل Le fait problème . ويصر الكثير من فلاسفة العلم إلى إعطاء الدور الفعال للفرضية بدل الملاحظة والتجربة ومن هؤلاء كلود برنار، هنري بوانكاري وفي هذا يقول هذا الأخير: "كثيرا ما يقال يجب أن نجرب دون فكرة مسبقة وهذا غير ممكن لأنه سيجعل كل تجربة عقيمة ولو حاولنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ذلك لأن الملاحظة الخالصة ولتجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم". شروط الفرض العلمي: حتى تكون الفرضية علمية يجب أن تتوفر على الشروط التالية: 1. أن تكون مستمدة من الملاحظة والتجربة وقد حدد كلود برنارد هذا الشرط بقوله "إن الأفكار التجريبية يمكن أن تولد إما لمناسبة ظاهرة نلاحظها، وإما إثر محاولة تجريبية، وإما كنتيجة متممة لنظرية سبق التسليم بها". 2. أن تكون الفرضية خالية من التناقض المنطقي في صياغته أي أن يصاغ في شكل قضية واضحة تكون قابلة للتحقق عن طريق التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وفي هذا يقول باستور "إن أسمى الأفكار وأقرب الآراء احتمالا للصدق لا تصبح حقيقية واقعية إلا إذا كانت مطابقة للواقع". 3. أن لا تتعارض مع الحقائق العلمية المؤكدة، على أن هذا الشرط لا ينبغي أن يكون عائقا دون إطراد التقدم العلمي عن طريق مراجعته الدائمة. 3. التجربة: هي إحداث الظاهرة ضمن شروط اصطناعية أو هي اصطناع الظاهرة مخبريا بهدف التحقق من الفرض إن كان صحيحا أو خاطئا أو بهدف رؤية أفضل للظاهرة ولذا تعد من أهم المراحل في البحث العلمي لقد قال بوانكاري "التجربة هي الينبوع الوحيد للحقيقة" غير أنه يجب التمييز بين تجارب رديئة وأخرى جيدة والفرق بين الأولى والثانية هو ترتيب الوقائع وتنظيمها ومرد ذلك العقل فكما أن تكديس الحجارة لا يعني بالضرورة بناء فكذلك تكديس الوقائع لا يكون علما. والتجربة العلمية أنواع فمنها ما يتم بشكل مباشر داخل المخبر وهذه ينطبق عليها التعريف الأول ومنها ما يتم بطريقة غير مباشرة أي عن طريق الملاحظة التي تقوم مقام التجربة ونلاحظ هذا النوع بشكل جلي في ميدان علم الفلك. مزايا التجربة: وأهمية التجربة بالنسبة للبحث العلمي تكمن في مزاياها ونذكر من هذه المزايا: تمكن العالم من تحليل الظواهر إلى عناصرها الأولية ومكوناتها الأساسية. تمكن من تغير شروط الظاهرة والتلاعب بها قصد الوقوف على أسبابها الحقيقية لقد عبر كوفيه عن هذا الميزة بقوله إن الملاحظ يصغى إلى الطبيعة أما والمجرب فيسألها ويرغمها على الإجابة. تمكن من عزل الظواهر بحكم أنها توجد متداخلة ومتشابكة في الطبيعة. أنها تسمح بتكرار الظواهر وهذا يوفر الوقت والجهد. إحداث مركبات جديدة وهو ما نراه في الكيمياء. الاستقراء وإشكالية تبريره: إن الحديث عن خطوات المنهج التجريبي كمنهج بحث علمي يقوم أساسا على الاستقراء أثار جدلا حادا بين الحسيين التجريبيين وبين العقليين ويمكن صياغة الإشكال موضوع الجدل كالتالي أيهما أهم في الاستقراء العلمي الملاحظة والتجربة أم الفرضية؟ وبصيغة أخرى هل بناء الوقائع العلمية هو مجرد قراءة بارعة لهذه الوقائع من خلال الملاحظة الحسية الدقيقة أم أن المعرفة والاستقراء العلمي إبداع عقلي يتحدد من خلال الفرضيات؟ الموقف الحسي: يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن البحث العلمي تقدم وتطور بفضل التجربة التي تعد عملية حسية خالصة ومن هؤلاء أصحاب المدرسة الانجليزية ممثلة بدافيد هيوم الذي لا يعترف إلا بنشاط الحواس كمصدر للمعرفة وبالنسبة لقيمة ما تمدنا به الحواس مثلا الحواس مثلا نجد أرنست ماخ الذي يذهب إلى التأكيد بأن الطبيعة بالنسبة للإنسان هي جملة العناصر التي تقدمها له حواسه، أي أن المصدر الوحيد للمعرفة هي الحواس، فما الأشياء إلا مجرد رموز ذهنية لمركب من الإحساسات تتمتع باستقرار نسبي لأن كل الأشياء في الطبيعة تتغير ثم أن العناصر الحقيقية في الطبيعة ليست هي الأشياء ولكنها الألوان والأصوات، والضغوط اللمسية والأمكنة والأزمنة أي كل ما نسميه بالإحساسات. الحجة: ويمكن أن نستنبط حجة هؤلاء من أن كل معارفنا مهما كانت معقدة ومهما كانت مجردة ونظرية تنحل إلى إحساسات تتكون بالملاحظة والتجربة إذن فالإحساس مصدر لمعرفتنا بما في ذلك العلمية. النقد: مهما كانت قيمة الحواس ومهما كانت قيمة التجربة فإننا لا يمكن إنكار أو إهمال دور العقل إن المثال التالي يوضح ما نريد لقد ذكر كلود برنارد أن فرنسو هوبر (1950-1831) وهو عالم فيزيائي كان أعمى غير أنه ترك تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجريها، ولم تكن لخادمه أية فكرة علمية أي كأن هوبر هو العقل الموجه الذي يقيم التجربة، لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره إن هذا المثال يوضح أن الاستقراء العلمي إبداع عقلي. الاتجاه العقلي: في المقابل للاتجاه السابق يعتقد أنصار الاتجاه العقلي أن العقل أداة الخلق العلمي لقد مثل هذا الاتجاه قديما ديكارت من خلال مقولته الشهيرة أنا أفكر إذن أنا موجود ليمثل هذا الاتجاه حديثا في العلم مجموعة كبيرة من فلاسفة العلم ومنهم أنشتاين، بوانكاري. لقد قيل "الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع وإليها ترجع كل مبادرة" أما ما قال أنشتاين فهو أن: "العلم هو من خلق العقل الإنساني بواسطة أفكار وتصورات اختراعات بحرية" أما بوانكاري فأكد من خلال كتاب "العلم والفرض" أن التجربة هي الينبوع الوحيد للحقيقة، هذا أمر لا يجادل فيه أحد، لكن من التجارب ما هي جيدة منها ما هي رديئة والتجارب الرديئة مهما تكاثر عددها لا تفيد وتكفي واحدة يقوم بها عالم ممتاز مثل باستور ليقضي عليها جميعا"إن التجربة الجيدة هي التي يقودها العقل ويوجهها. النقد: صحيح أن دور العقل ينبغي أن يكون إيجابيا وفعالا في البحث العلمي غير أن هذا ليس مبررا للقول أن المعرفة العلمية والاستقراء العلمي يعود الفضل فيه للتجربة وهذا ما جعل باشلار يوضح بأن زمن التجارب الفضولية قد ولى كما أن زمن لفروض المؤقتة قد زال، إن العمل العلمي الحقيقي يدرك من خلال تبادل النصح والتوجيه بين العقلانية والواقعية ولا يمكن إقامة البرهان العلمي بدون أحدهما. وأيا كان الصراع حول طبيعة الاستقراء ، فإن المنهج التجريبي الاستقرائي يقود في النهاية إلى تفسير الظاهرة أو الحادثة محل الدراسة غير أن السؤال المطروح هو هل التفسير العلمي هو تفسير بالسبب أم بالقانون؟ السببية العلمية والقانون العلمي: معنى السببية: إن فكرة السببية قديمة قدم الفكر الإنساني فلقد كان الاعتقاد أن السبب قوة خفية تحدث الظواهر والعالم الحسي يرتبط ارتباطا سببيا بهذا القوة الخفية. غير أن هذا المفهوم لا يهمنا اليوم ولم يعد له معنى وأصبح معنى السبب في الفكر العلمي يفيد معنى العلاقات بين الظواهر أي أن السبب هو علاقة بين حادثتين وهذا هو معنى القانون إذ يقول أوغست كونت : "القانون العلمي هو العلاقة الثابتة بين مادتين أو أكثر" وقد نوه كونت بأهمية القانون العلمي كمطلب للبحث العلمي غير أن القوانين العلمية أنواع نذكر منها : القوانين السببية: و هي القوانين التي تفيد الترابط السببي بين العلة والنتيجة،كالقول أن الماء يغلي في درجة حرارة 100م ،فهذه النتيجة تفيد الترابط السببي بين درجة الحرارة 100م و بين ظاهرة غليان الماء. قوانين تفيد خواص و تركيب الظواهر: وتعتبر هذه القوانين وصفية تقرر خواص ظاهرة معينة ضمن شروط معينة ، فالماء مظاهرة يكون كتلة جامدة صلبة إذا كانت درجة الحرارة أقل من الصفر ويكون في حالة سائلة إذا كانت درجة حرارته أكبر من 100 إضافة إلى خواص أخرى كيميائية وفيزيائية. قوانين تفيد ثوابت عددية: كالقول سرعة الضوء تساوي 300.000 كلم/ثا. صياغة القانون العلمي: إذا كان القانون العلمي وليد منهج دقيق فهو يعبر عن الظواهر في شروط مثالية (كوجود الظواهر معزولة بعضها عن بعض، ولذا فمن البديهي أن نعتقد بأن القانون العلمي صيغة عقلية لا تطابق الواقع تمام المطابقة بل تضفي عليه نسبة الرجحان في التصديق والمطابقة وهذا ما يجعل القوانين العلمية متطورة قابلة للتصحيح. يقول ميروسون "إذا توهنا أن القوانين التي نحدد صيغها تنطبق
الحتمية واللاحتمية في الفيزياء: مقدمة: إذا كان الاستقراء العلمي يهدف إلى الكشف عن الظواهر ومعرفة أسبابها القريبة وصياغتها في شكل قوانين عامة فإن الاستقراء العلمي من جهة ثانية ينتقل فيه العالم من بعض الظواهر إلى القوانين العامة وضمانة هذا الانتقال هو مبدأ الحتمية الذي ينص على أنه متى توفرت نفس الأسباب أدت إلى نفس النتائج بشكل حتمي وضروري تبعا لنظام الكون الثابت غير أن تقدم علم الفيزياء واقتحام عالم الذرة والنتائج المتوصل إليها جعل الكثير من فلاسفة العلم يرفضون هذا المبدأ والسؤال إلى يطرح نفسه. هل مبدأ الحتمية ضروري فعلا في علم الفيزياء أم أنه ليس ضروريا بل يمكن تعويضه بمبادئ أخرى؟ الاتجاه الحتمي: ظل الكلاسيكيون يعتقدون جازمين إن العلم يقوم أساسا على مبدأ الحتمية فكل الظواهر تسير بمقتضى حتمية دقيقة واعتبر لابلاس وبواسون أن الكون نفسه آلة تسير بمقتضى قوانين حتمية، ويكفي معرفة هذه القوانين حتى نتنبأ بشكل حتمي ودقيق بحدوث الظواهر قبل وقوعها وفي هذا يقول لابلاس: "لو أن عقلا تطلع في لحظة ما، على سائر القوى التي تحرك الطبيعة وعلى الحالة الخاصة بالكائنات التي تؤلفها لا بل لو كان له من السلعة ما يستطيع به أن تخضع هذه المعطيات للتحليل لاستطاع أن يلم في قاعدة واحدة بحركات أكبر الأجسام في الكون وبحركات أخف الذرات، فلا شيء يكون محلا للارتياب بالنسبة إليه ويكون المستقبل والحاضر ماثلين أمام عينية". إن تأكيد مبدأ الحتمية في العلم ضرورة قاد إليها البحث العلمي في مراحل السابقة والهدف من ذلك ضمان الدقة المطلقة لنتائج العلم لقد قال بوان كاري: "العلم حتمي بالبداهة وهو يضع الحتميات موضوع البديهيات التي لولاها ما أمكن له أن يكون" النقد: إذا مبدأ الحتمية ضروري في الفيزياء ويصدق أكثر في عالم الظواهر الكبيرة غير أن تقدم علم الفيزياء نفسه أفضى إلى نتائج مغايرة كما هو الحال في فيزياء الصغائرMicro physique كما أننا يجب أن نميز بين نوعين من الحتمية:أولاالحتمية العلمية التي ترفض الصدفة وتدفع الجهل. ثانياالحتمية المطلقة الكونية: والتي تعد في حد ذاتها فكرة ميتافيزيقية تقضي على كل مبادرة إنسانية في الفهم على حد تعبير جون أولمو وهذه الأخيرة سيطرت على فيزياء القرن التاسع عشر. اللاحتمية: في المقابل للطرح السابق توصل الكثير من الفيزيائيين إلى نتائج هزت مبدأ الحتمية ومن ذلك ما أفضت إليه بحوث "ماكس بلانك" من أن الذرة المشعة لا تصدر طاقتها بصفة منتظمة أو متصلة يمكن إخضاعها لمبدأ الحتمية،بل بصفة غير منتظمة وفي شكل صدمات. أما الثاني فهو العلم الأمريكي هايز نبرغ الذي توصل إلى تأكيد استحالة قياس كمية حركة الجسيم داخل الذرة وتحديد موقعه في آن واحد مما يؤدي إلى استحالة التنبؤ الدقيق والحتمي بكمية الحركة والموقع في آن واحد. ومعنى ذلك أن مبدأ الحتمية لم يعد ضروريا على الاطلاق ويجب الانتقال بالفيزياء من الحتمية إلى اللاحتمية. النقد: إن رفض الحتمية يؤدي مباشرة إلى الوقوع في الصدفة التي تعد تبريرا للجهل أكثر ما هي مصدر للعلم. التركيب: قادت هذه الإشكالية في علم الفيزياء إلى اجتهادات كبيرة كان لها الأثر الإيجابي في علم الفيزياء منها: التمييز في الحتمية بين حتمية علمية ضرورية في البحث وحتمية كونية ينبغي رفضها. اهتدى العلماء إلى حساب الارتياب في القياسات كطريقة لتحقيق أكبر مقدار من الدقة إضافة إلى ذلك مبدأ حساب الاحتمال الذي جاء ليدعم مبدأ الحتمية.
مشكلة الحتمية والغائية في البيولوجيا: مفهوم علم البيولوجيا الحية: يختص علم البيولوجيا بدراسة الظواهر الحية سواء كانت نباتية أم حيوانية. خصائص الظاهرة الحية: تشترك الظاهرة الحية مع الظاهرة الفيزيائية في كونهما مادتين تشغلان حيزا من المكان، تقبلان الملاحظة والدراسة الموضوعية. ومع ذلك فهما يختلفان إذ تتميز الظاهرة الفيزيائية بجملة من الخصائص يمكن إجمالها فيما يلي: الظاهرة الحية معقدة: تتسم الظاهرة الحية بدرجة غالية من التعقيد، يظهر ذلك في ترابطها مع غيرها من الظواهر مما يصعب عزلها ودراستها علميا وبشكل مستقل. الظاهرة الحية حية: أي تقوم بجملة من الوظائف الحيوية وكل دراسة علمية مطالبة بدراسة الظاهرة الحية في هذا الإطار الحيوي ومن جملة الوظائف الحيوية التي تميز الظاهرة الحية: التغذي: وظيفة حيوية تتمثل في أخذ مواد من الطبيعة وتحويلها عن طريق التمثيل أو الهضم إلى مواد قابلة للاستهلاك. التكاثر: وظيفة حيوية تتمثل في نزوع الكائن آليا أو غريزيا في مرحلة من مراحل النمو إلى إعطاء كائن يحمل نفس المواصفات النوعية [استمرار النوع]. النمو: وظيفة حيوية تتمثل في انتقال الكائن من مرحلة إلى مرحلة تكون مصحوبة بجملة من التغيرات والمظاهر. التنفس: وظيفة حيوية يقوم بها الكائن الحي تتمثل في أخذ الأكسجين وطرح ثاني اكسيد الكربون أو أخذ الأكسجين الذي تستعمله لخلية في الاحتراق لإنتاج الطاقة الضرورية... الإطراح: عملية حيوية قوامه طرح المواد التي لا يحتاجها الجسم إلى الخارج...الخ.
أسباب تأخر علم البيولوجيا وحدود التجربة فيه : إذا عدنا إلى تاريخ البيولوجيا نجده قد تأخر في الظهور قياسا إلى علم الفيزياء ويذكر رواد هذا العلم أن الدعوة الفعلية إلى ظهور علم البيولوجيا ترتبط بالبيولوجي كلود برنار في كتابة " مدخل إلى الطب التجريبي " مع أننا نعتقد أن جهود المسلمين كانت سباقة إذا مارسوا الطب بصورة تجريبية رغم أنهم لم ينظروا لهذه الممارسة ، ومهما يكن من أمر فأسباب تأخر علم البيولوجيا كثيرة نذكر منها : طبيعة الظاهرة الحية ذاتها . نقص الوسائل والأجهزة . ارتباط البيولوجيا بالخرافة . مشكلة الحتمية والغائية في البيولوجيا : أ) ضبط المشكلة : رغم أسباب التأخر التي طالت علم البيولوجيا إلا أن دعوة كلود برنار كانت مثمرة ( دراسة بول الأرانب ) في تحول علم البيولوجيا إلى علم تجريبي غير أن إمكانية التجريب هذه أدت إلى طرح المشكلة إبستومولوجية هامة هي : كيف يمكن دراسة المادة الحية؟ بلغة أخرى هل تدرس بنفس الكيفية التي تدرس بها المادة الجامدة أم بكيفية خاصة ؟ بلغة أخرى هل تدرس الظاهرة البيولوجية في نطاق حتمي آلي كما لو كانت ظاهرة فيزيائية أم تدرس في نطاق غائي خاص ؟ يعبر البيولوجي الفرنسي كينو عن هذه المشكلة بقوله : " إن فهم أو تفسير الغائية العضوية هي المشكلة الرئيسية في البيولوجيا، وحتى في الفلسفة ، وعلى هذا الشأن ينقسم البيولوجيون إلى مدرستين تعتقد كلاهما اعتقادا راسخا في متانة دعائمها مما لا يترك أي مجال للاتفاق " ب) الموقف الحتمي الآلي : يذهب كلود برنار إلى أن الدراسة العلمية للظواهر الحية لا يكون إلا في نطاق حتمي ذلك أن الظواهر الحية هي نفسها الظواهر الجامدة يقول: " إن المظاهر التي تبدو في الظواهر الحية هي نفسها المظاهر التي تتجلى في الظواهر الجامدة إنها تخضع لنفس الحتمية . إن طابع التشابه بين الظاهرة الحية والظاهرة الفيزيائية قوي ويتعلق أصلا بالمكونات الاختلاف الوحيد بينهما يظهر في درجة التعقيد الذي يعد اختلافا في الدرجة وليس اختلافا في النوع أي أن اختلاف عرض وليس جوهري هذا ما تكشفه التجربة ، ذلك أن تحليل المادة الحية يوصلنا إلى مكونات طبيعية ثم إن التفاعل الذي يتم على مستوى المادة الحية هو نفسه تفاعل كيميائي .... إلخ النقد: يكشف هذا التوجه على نزعة علمية تطمح إلى تحقيق الدقة الملاحظة في الفيزياء غير أن هذه النزعة أخطأت أكثر من مرة فهي لم تراع خصائص الظاهرة الحية . أخضعت الظاهرة للمنهج في الوقت الذي كان ينبغي أن يكون العكس. وصلت إلى نتائج لم تشمل كل الظواهر الحية. II- الموقف الغائي: في المقابل للطرح السابق يذهب الغائيون ذوي التوجه الحيوي إلى القول أن الظاهرة الحية من طبيعة خاصة وينبغي أن نراعي هذه الخصوصية أثناء الدراسة ومن هذه الخصوصية أثناء الدراسة ومن هذه الخصوصية نذكر أنم الظاهرة الحية تتميز بطابع من النظام والانسجام والدقة والتي تفرض دراستها في نطاق غائي. ويضرب دونوي مثلا لذلك إذا أخذنا أنبوبا ووضعنا فيه صفين من الكرات إحداها سوداء والأخرى بيضاء في كل صف 1000 كرية فإذا حركنا الأنبوب لتختلط فإن احتمال انتظامها ضعيف يقدر بـ 0.489-14 . يكشف المثال أن التفاعل في المادة الحية ليس تفاعلا أعمى ولا يفسر في نطاق مبدأ الحتمية. النقد: يصدق هذا بكل تأكيد على الظواهر الحية الأكثر تعقيدا ذلك أن نشاط الخلايا مثلا يتم في نطاق الاختصاص.ومن العبث أن نلغي الدور والوظيفة الخاصة بالخلايا غير أن المبالغة في هذا الطرح تؤدي إلى اعتبارات ميتافيزيقية تعيق العلم يقول كلورد برنارد ناقدا الاتجاه الغائي: "إن التفسير الغائي عقيم شبيه بعذراء تقدم نفسها قربانا للآلهة". التركيب: يتجه علماء البيولوجيا اليوم إلى دراسة الظواهر الحية في نطاقين حتمي وغائي كما لو كانت الظاهرة ضمن معلم يراعي الظاهرة في حتميتها وفي غائيتها.
موضوع: رد: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 1:54 pm
منهجية تحرير مقالة فلسفية
اختيار موضوع الامتحان
- الانتباه إلى كلّ أجزاء الموضوع دون استثناء، و القيام بتحديد دلالاتها، كلّ جزء على حدة. - الكشف عن العلاقات القائمة بين هذه الحدود ( حسب منطق الموضوع ). - الاهتمام بصيغة الموضوع ( لكي نتعرّف على المطلوب ). فترة القراءة الكلية للموضوع - هي في الواقع لحظة تأمل في الموضوع، قصد اكتشاف الأطروحة التي يعرضها، أو الإشكالية التي يريد طرحها...الخ. ومن ثم لابد أن نعيد قراءة الموضوع قراءة واعية تمكن من فهمه في كل أبعاده. - فهم السؤال المطروح وتحديد المطلوب من خلال الانتباه إلى صيغة المساءلة. - استخلاص تصميم عام للمقال حسب تدرج متماسك. - استحضار المادة المعرفية التي تقتضيها معالجة الموضوع استحضارا وظيفيا.
منهجية تحرير مقالة فلسفي
إن منهجية الكتابة في مادة الفلسفة هي مجموع الخطوات العامة التي تهيكل الموضوع، وتشكل العمود الفقري لوحدته وتماسكه. *المقدمة يتطلب بناء مقدمة لمقال فلسفي وتحريرها تمثلا لوظائفها نذكر منها بالخصوص: - إبراز دواعي طرح المشكل الفلسفي الذي يتعلق به الموضوع مثل رصد تناقض، أو رصد مفارقة أو مساءلة رأي شائع، وهذا ما يمثل على وجه التحديد وظيفة "التمهيد". التّمهيد، الذّي يمكن أن يكون بالتّعرّض إلى مثال أو إلى وضعيّة معيّنة، بالإمكان أن نطرح بصددها السّؤال المقترح في الموضوع. تجنّبوا، بصفة كلّية، خاصّة تلك العبارات الجوفاء التّي لا تعني شيئا ك: " خلق اله الإنسان وميزه عن بقية المخلوقات...أو : هذه مشكلة من أهم المشاكل الفلسفية...إلخ". - صياغة الإشكالية صياغة تساؤلية متدرجة تتمحور حول نواة الإحراج الأساسية التي يحيل إليها نص الموضوع وتكون هذه الصياغة متدرجة توحي بمسار التفكير في الموضوع المطروح دون أن تكشف مسبقا عن الحل الذي يتجه إليه التفكير . تجنب ما يلي: - تفادي مزالق من قبيل صياغة إشكالية لا تتلاءم مع المطلوب في صيغة الموضوع، أو تقديم مقال مبتور (بدون مقدمة حقيقية) أو السقوط في عرض سلسلة من الأسئلة لا رابط منطقي بينها. - تجنّبوا، بصفة كلّية، خاصّة تلك العبارات الجوفاء التّي لا تعني شيئا ك: " خلق اله الإنسان وميزه عن بقية المخلوقات...أو : هذه مشكلة من أهم المشاكل الفلسفية...إلخ". *التّحرير: - على التّعبير أن يكون واضحا و بسيطا، بحيث يكوم بإمكان كلّ قارئ ( حتّى و لو لم يكن منشغلا بالفلسفة ) أن يفهمه دون جهد و دون عناء. - ينبغي أن لا نصوغ أكثر من فكرة واحدة في فقرة. الأمثلة و الإحالات المرجعيّة: استعمال سندات فلسفية جدير بنا أن نستخدم، في مقالتنا، بعض الأمثلة، إما كمنطلق للتّحليل ( المثال، هنا،هو وسيلة تمكّن من استخراج مفاهيم و علاقات بين مفاهيم )، و إما في نهاية عرض برهاني و نظري على فكرة، حتّى نقوم بتجسيدها و ببلورتها ( إعطاءها مضمونا ). لكن لا يجب أن يغيب عن أعيننا هنا، أنّ المثال لا يمكن اعتباره دليلا أو حجّة. إن وظيفة المثال تكمن في تجسيد تفكير نظريّ مجرّد، أو في إثارته ( التّفكير )، و ليس في تعويضه. جدير كذلك، أن نقوم بالإحالة إلى بعض المرجعيّات الفلسفيّة المعروفة، و ذلك بفضل جملة من الشّواهد التّي يشترط فيها أن تكون أمينة و موضوعة بين ضفرين. ما يهمّ هنا، هو أن تكون هذه الشّواهد مدرجة و مندمجة في إطار المقالة ( دون أن تكون مسقطة و متعسّفة ) و متبوعة في نفس الوقت بتوضيحات تبرز دلالة هذه الشّواهد و تحدّد العلاقة التّي يمكن أن تقوم بينها و بين المشكل المطروح. *الخاتمة تتمثل وظيفة الخاتمة إذن في صياغة تأليفية للحلّ الذي أسسه مسار التفكير خلال جوهر المقال. وبذلك فقط تكون الخاتمة متجاوبة مع المقدمة من حيث المضمون ومن حيث الشكل.
يتعلق الأمر هنا باستخلاص تأليفي لمكاسب التفكير في المشكل الذي يحيل إليه الموضوع وصياغة جواب إيجابي دقيق عن هذا المشكل.و يجب أن نقوم فيها بعرض الاستنتاج المتوصل إليه، لأجل ضبط العناصر التّي مكّنتنا من الإجابة عن الإشكال المطروح. ويمكن الاستفادة في بناء الخاتمة من الأسئلة الموجهة التالية: - ما هو أهم ما يمكن الاحتفاظ به من مسار التفكير السابق ( خلال جوهر المقال ) ؟ - أي تغيير وأي إثراء أو تعميق حصل في تمثلنا للمشكل في ضوء مسار التفكير السابق ؟ تتمثل وظيفة الخاتمة إذن في صياغة تأليفية للحلّ الذي أسسه مسار التفكير خلال جوهر المقال. وبذلك فقط تكون الخاتمة متجاوبة مع المقدمة من حيث المضمون ومن حيث الشكل.
مقالة في معالجة مضمون النص
الكشف عن المشكل الذّي تمثّل أطروحة النص حلاّ له. و يكون ذلك إمّا: بشكل مباشر: " ما هو السّؤال الذّي تقدّم الأطروحة حلاّ له ؟ ". بشكل غير مباشر: " ما هي الأفكار و المواقف المعارضة لأطروحة النّص ؟ إذا كانت الأطروحة خاطئة، فما هو الموقف البديل الذّي يمكننا إثباته ؟ ألا يمكن البرهنة على صحّة أطروحة مناقضة لأطروحة النّص ؟ ". بالاستناد إلى الإجابات التّي نقدّمها عن هذه الأسئلة، نحاول البحث عن السّؤال الذّي يمكن أن يقبل، كإجابات ممكنة عنه، في نفس الوقت، أطروحة النّص من جهة و الأطروحات المناقضة لها من جهة أخرى. استخراج الإشكاليّة بطريقة غير مباشرة يقتضي تشكيل مفارقة تحتوي مواجهة بين أطروحات متضادّة. الكشف عن أطروحة النّص: تبيّن الحلّ الذّي يقترحه الكاتب لتجاوز مشكل معيّن " ماذا يثبت الكاتب ؟ ماذا يطرح ؟ عن ماذا يدافع ؟ ما هي الفكرة التّي يريد التّوصّل إليها ؟ بماذا يريد إقناعنا ؟ ماذا يريد أن يفهمنا ؟ ما هي، في آخر الأمر، الفكرة الأشدّ أهمّية و حضورا في النّص ؟ " تمثّل الحلّ أو الإمساك ب: أطروحة النّص و الوسائل التّي استعملها الكاتب في عمليّة الإثبات و البرهنة. التّساؤل عن قيمة الأطروحة: ينبغي إذن، بصفة إجماليّة، أن نقوم بالبرهنة ( و ليس فقط بالإقرار ) على أنّ أطروحة النّص أكثر قيمة من جملة الآراء المعارضة لها. أو بتوضيح كيف أنّ أطروحة النّص محدودة و نسبيّة ( إمكان نقدها ) و ثانيا إبراز دواعي استبدالها بأخرى. و يمكن أن نقوم بهذه العمليّة النّقديّة في رحلتين: النّقد الدّاخلي للنّص: الكشف عن مواطن ضعفه و إثارة الانتباه إلى بعض المقاطع التّي تغيب فيها الدقّة اللاّزمة و الوقوف على وجود بعض الافتراضات اللاّ مبرهن عليها أو حتّى الخاطئة الخ.. و يكون ذلك أيضا بتبيان الإستتباعات السّلبيّة للحلّ الذّي يقدّمه النّص. النّقد الخارجي للنّص: و يكون بمواجهة أطروحة النّص بأطروحة أخرى مناقضة يقع البرهنة عليها ( من المستحسن أن تكون مستمدّة من مرجعيّة فلسفيّة معروفة، معاصرة لكاتب النّص أو لاحقة له ).و لا يجب، في هذا المجال، إهمال النّص و لا الإشكال الذّي يطرحه. الخاتمة: تكون ذلك بحوصلة كلّ الأفكار الهامّة التّي انتهى إليها جوهر الموضوع تحليلا و تقييما و تقديم إجابة تبعا للنتائج المتوصل إليها .
موضوع: رد: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 1:55 pm
التحليل النفسي عند فرويد يرى فرويد أن الجهاز النفسي بناء ثلاثي التكوين، وأن كل جانب في هذا التكوين يتمتع بصفات وميزات خاصة، ، هذه الجهات أو الجوانب الثلاثة هي: (الهو) ، و(الأنا) ، و(الأنا الأعلى). أما(الهو): فذلك القسم الأولي المبكر الذي يضم كل ما يحمله الطفل معه منذ الولادة من الأجيال السابقة وانه يحمل ما يسميه فرويد الغرائز ومن بينها غرائز اللذة والحياة والموت.وهو يعمل تحت سيطرة ما يضمه منها. وما هو موجود فيه لا يخضع إذن لمبدأ الواقع أو مبادئ العلاقات المنطقية للأشياء بل يندفع بمبدأ اللذة الابتدائي، وكثيراً ما ينطوي على دوافع متضاربة. انه لا شعوري وهو يمثل الطبيعة الابتدائية والحيوانية في الإنسان. وأما(الأنا): فينشأ ويتطور لأن الطفل لا يستطيع أن يشبع دوافع (الهو) بالطريقة الابتدائية التي تخصها، ويكون عليه أن يواجه العالم الخارجي وان يكتسب من بعض الصفات والمميزات وإذا كان (الهو) يعمل تبعاً لمبادئه الابتدائية الذاتية، فإن(الأنا) يستطيع أن يميز بين حقيقة داخلية وحقيقة واقعية خارجية. فالأنا من هذه الناحية يخضع لمبدأ الواقع، ويفكر تفكيراً واقعياً موضوعياً ومعقولاً يسعى فيه إلى أن يكون متمشياً مع الأوضاع الاجتماعية المقبولة. هكذا يقوم (الأنا) بعملين أساسين في نفس الوقت:أحدهما أن يحمي الشخصية من الأخطار التي تهددها في العالم الخارجي، والثاني أن يوفر نشر التوتر الداخلي واستخدامه في سبيل إشباع الغرائز التي يحملها(الهو) وفي سبيل تحقيق الغرض الأول يكون على الأنا أن يسيطر على الغرائز ويضبطها لأن إشباعها بالطريقة الابتدائية المرتبطة معها يمكن أن يؤدي إلى خطر على الشخص.فالاعتداء على الآخرين بتأثير التوتر الناشئ عن الغضب يمكن أن يؤدي إلى ردّ الآخرين رداً يمكن أن يكون خطراً على حياة المعتدي نفسه وهكذا يقرر الأنا (متى) و(أين) و(كيف) يمكن لدافع ما أن يحقق غرضه ـ أي أن على (الأنا) أن يحتفظ بالتوتر حتى يجد الموضوع المناسب لنشره. وهكذا يعمل الأنا طبقاً لمبدأ (الواقع) مخضعاً مبدأ اللذة لحكمه مؤقتاً. ونأتي إلى الجانب الثالث وهو الأنا الأعلى: هنا نجد أنفسنا أمام حاضن للقيم والمثل الاجتماعية والدينية التي ربى الطفل عليها في بيته ومدرسته ومجتمعه. (فالأنا الأعلى) يمثل الضمير المحاسب، وهو يتجه نحو الكمال بدلاً من اللذة، ولهذا (الأنا الأعلى) مظهران، الضمير والأنا المثالي. يمثل الأول الحاكم بينما يمثل الثاني القيم. فإذا أردنا تلخيص هذا البناء الثلاثي الداخلي للشخصية كما يراه بعض العلماء قلنا ما يلي: إن الأنا هو الذي يوجه وينظم عمليات تكيف الشخصية مع البيئة، كما ينظم ويضبط الدوافع التي تدفع بالشخص إلى العمل، ويسعى جاهداً إلى الوصول بالشخصية إلى الأهداف المرسومة التي يقبلها الواقع، والمبدأ في كل ذلك هو الواقع. إلا أنه مقيد في هذه العمليات بما ينطوي عليه (الهو) من حاجات، وما يصدر عن (الأنا الأعلى) من أوامر ونواهي وتوجيهات فإذا عجز عن تأدية مهمته والتوفيق بين ما يتطلبه العالم الخارجي وما يتطلبه (الهو) وما يمليه (الأنا الأعلى) كان في حالة من الصراع يحدث أحياناً أن يقوده إلى الاضطرابات النفسية.
موضوع: رد: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 1:56 pm
التفكير الرياضي
مقدمة: لقد جعل أرسطو aristote من المنطق مقدمة لكل العلوم، غير أن الطابع التحليلي في لمنطق جعل الكثير يصفه بالعقيم لأن النتيجة متضمنة في إحدى المقدمتين وفي المقدمة لكبرى على وجه الخصوص، مما أدى إلى البحث عن منطق جديد للعلم هو المنطق المادي والبحث عن مدخل لمختلف العلوم فرض الرياضيات التي أصبحت لغة للعلم بدلا عن لغة المنطق. وأصبحت الأنظار مشدودة إليها تؤكد قيمتها وأهميتها، وفي هذا الإطار تطرح أسئلة كثيرة، ماذا يراد بالرياضيات؛ ما هو موضوعها؟ ما هي المبادئ التي تقوم عليها؟ كيف يحقق الرياضي قضاياه؟ ثم ما هو موقعها في الفكر الإنساني عموما وما أثارها في العلم على وجه الدقة؟ مفهوم الرياضيات: الرياضيات علم يختص بدراسة الكم أو المقدار القابل للقياس، سواء كان هذا الكم متصلا [هندسة] أو كان كما منفصلا [حساب]. 1. الكم المتصل: يسمى هذا الكم متصلا تعبيرا عن موضوعات الهندسة [أطوالا، مساحات، أشكالا،...الخ] إذ يلاحظ عدم وجود فجوات بين وحداته فالمستقيم هو عدد لا نهائي من النقاط المتصلة على استقامة واحدة، يتميز الكم المتصل أو الهندسي بأنه كم عقلي مشخص يفترض مكانا. 2. الكم المنفصل: وهو موضوع للحساب يتميز موضوعه بأنه مجرد وسمي منفصلا لانفصال وحداته ووجود ثغرات أو فجوات بينها فمثلا العد 1-2-3....الخ فبين هذه القيم عدد لا نهائي من لقيم. تطور هذا الفرع فظهر الجبر مع الخوارزمي ثم التحليل مع ديكارت. نتيجة: الرياضيات علم يختص بدراسة المفاهيم الكمية المجردة. مبادئ الرياضيات: طالما أن موضوع الرياضيات نظري فالأكيد أن الرياضي سينطلق من مبادئ ضرورية لهذا النمط من التفكير وقد حدد أقليدس 03 أنواع من هذه المبادئ، ظل ينظر إليها على أنها ضرورية لكل رياضي وهي: 1. البديهيات axiomes - évidence يقصد بالبديهية كل قضية واضحة بذاتها لا تحاج إلى برهان أو كما يقال هي حكم تحليلي محموله متضمن في موضوعه فمبادئ العقل مثلا بديهيات. وفي الرياضيات حدد إقليدس 05 بديهيات هي: الكميات المتساوية فيما بينها تظل كميات متساوية إذا أضيفت كميات متساوية إلى أخرى متساوية أعطية كميات متساوية. إذا طرحت كميات متساوية من كميات متساوية أعطيت كميات متساوية. الكميات المتطابقة متساوية. الكل أكبر من الجزء مميزات البديهية: واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان تتميز البديهية بأنها عامة تلزم جميع العقول كما تلزم في جميع المعارف تتميز البديهية بأنها ثابتة سابقة عن التجربة تدرك بالبداهة بشكل حدسي من نسيج العقل. المسلمة: postulats وهي قضية بسيطة يضعها العالم ويطالبنا بالتسليم بها على أساس أنه سيبني عليها نسقا رياضيا متماسكا. وأشهرها في الرياضيات تلك التي حددها إقليدس. من الممكن الوصل بين أية نقطتي بخط مستقيم يمكن مد القطعة المستقيمة من جهة إلى ما لا نهاية. يمكن رسم الدائرة إذا علم مركزها ونصف قطرها. الزوايا القائمة متساوية. من نقطة خارج مستقيم لا يمكن أن يمر إلا مواز واحد لذلك المستقيم
خصائص ومميزات المسلمة: قضية بسيطة ولكنها أقل وضوحا من البديهية المسلمة خاصة في مقابل البديهية التي توصف بأنها عامة أي خاصة بالعالم لذي يضعها كما تختص بالمجال المعرفي. المسلمة متغيرة. بعدية. التعريفات: يراد بالتعريف تحديد مفهوم أي حد أو لفظ بذكر خصائصه الجوهرية قدر الإمكان، وإذا استثنينا البديهيات والمسلمات فما تبقى في الرياضيات عبارة عن كائنات أو مفاهيم، أي أنها مصدر ثراء الرياضيات ، ويميز الرياضيون بين تعريفات تحليلية وأخرى تركيبية. البرهان الرياضي: طالما أن الرياضي يتناول موضوعا نظريا مجردا وينطلق من مبادئ عقلية فالأكيد أن المنهج الذي يتبعه الرياضي هو منهج عقلي أي أن طريقة البرهنة في الرياضيات استنتاجية ينتقل فيها الرياضي من مقدمات وصولا إلى نتيجة لازمة بصورة ضرورية، على أن طابع الحركة في البرهنة الرياضية وفي الاستنتاج الرياضي ثنائية يمكن أن تكون تحليلية أو تركيبية. أ. البرهان التحليلي: وهو الذي ينطلق فيه الرياضي من قضايا معقدة أو عامة إلى قضايا بسيطة أو خاصة قد تكون مبدءا من المبادئ لسابقة. مثلا: البرهنة على أن مجموع ضلعي أي مثلث أكبر دائما من الضلع الثالث. ترد هذه القضية إلى المسلمة القائلة: المستقيم أقصر بين نقطتين. ب. البرهان الرياضي التركيبي: وهو الذي ينطلق فيه الرياضي من قضايا بسيطة أو خاصة في حركة إنشائية تركيبية ليصل إلى نتيجة معقدة أو عامة. مثلا" ضرب معادلتين من الدرجة I يؤدي وينتج معادلة من الدرجة II
مشكلة أساس الرياضيات: إن ما وضحناه سابقا من مبادئ وطريقة للبرهنة فهو في الحقيقة متعلق بما يعرف بالرياضيات التي وضعها وأسس لها إقليدس وظلت تلك المبادئ كذلك إلى غاية القرن 19 حينما حاول لوبا تشوفسكي (1793-1856) أن يبرهن المسلمة 05 لإقليدس فوجد نفسه أمام نسق جديد، إذا افترض أن من نقطة خارج مستقيم يمكن أن نمرر عددا لا متناهيا من الموازيات ثم محاولة ريمان (1826-1866) الذي افترض أنه من نقطة خارج مستقيم لا يمكن أن نمرر أي مواز على الإطلاق ليجد هو الآخر نفسه أمام نسقا ثالثا متميزا. مثلا: نسق ريمان نسق لوبا تشكوفسكي نسق إقليدس - السطح كروي محدود > 0- من نقطة خارج مستقيم لا يمكن أن نمرر أي مواز على الإطلاق.- مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 - السطح مقعر يمتد إلى ما لانهاية انحناؤه أقل من الصفر- من نقطة خارج مستقيم يمكن تمرير عدد لا نهائي من المتوازيات- مجموع زوايا المثلث< 180 السطح مستو يمتد إلى ما لانهاية إنحناؤه = 0- من نقطة خرج مستقيم لا يمكن أن نمرر إلا مواز واحد فقط - مجموع زوايا المثلث= 180 هذه الملاحظات طرحت السؤال التالي: هل المبادئ التي وضعها إقليدس ضرورية في الرياضيات أم أن هذه المبادئ لا تلزم إلا الرياضيات الإقليدية التقليدية؟ هل يعني ذلك أننا لا يمكن الحديث عن بديهية في الرياضيات؟ وإذا كان هذا الفرض ممكنا كيف سننظر إلى اليقين الرياضي هل مطلق أم نسبي؟ الموقف I أنصار الرياضيات التقليدية: المبادئ في الرياضيات بديهيات ثابتة ومن ثمة فالمبادئ لازمة لكل رياضي حفاظا على اليقين الرياضي، لقد ظل ديكارت معجبا بفكرة البداهة وجعلها من الأفكار الفطرية الخالدة، وسعى جاهد لتصور منهج في الفلسفة، قائما على البداهة "لا أقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا" وعليه فمهمة الرياضي هي الإضافة وليست إعادة النظر. إن الغاية من الالتزام بمبادئ الرياضيات كما وضعها إقليدس هي ضمان اليقين للرياضيات. النقد: يبدو هذا الموقف متماسكا من الناحية النظرية، ولكن تاريخ الرياضيات وتطورها أثبتا العكس، إذ أمكن مراجعة المسلمة الخامسة لإقليدس. الموقفII: أنصار الرياضيات الأكسيومية: إذا عدنا إلى الأنساق لسابقة تبين لنا أن الرياضيين المحدثين لا يرون حرجا في إعادة النظر في المبادئ. ليس هنا بديهيات ثابتة، بل الموجود أوليات Axoimes وهي قضايا بسيطة لا نحكم عليها لا بالصدق ولا بالكذب، بل مجرد منطلقات يحق للرياضي أن يضع منها ما يشاء وفعلا لقد استطاع ريمان أن يفترض أنه من نقطة خارج مستقيم لا يمكن أن نمرر أي مواز على الإطلاق وافتراض لوباتشوسكي أنه من نقطة خارج مستقيم يمكن أن نمرر عددا لا نهائيا من المتوازيات. النقد: رفض البديهيات ترتبت عليه أزمة حادة في الرياضيات عرفت بأزمة اليقين الرياضي نتيجة: في ظل الجدل السابق انتهت الرياضيات إلى أن تعدد الأنساق أصبحت حقيقة قائمة وليس من حق أيا كان أن يقيس نتائج نسق بنسق آخر بل كل نسق يتوفر على اليقين طالما هنالك تماسكا منطقيا بين النتائج والمقدمات ليصبح وضع الأوليات شرطا في الرياضيات الحديثة. مشكلة الرياضيات والمنطق: أ. ضبط المشكلة: تنتمي الرياضيات إلى العلوم الصورية فموضوعاتها نظرية مجردة ومنهجها استنتاجي تلزم فيه النتائج عن المقدمات وهو أمر مر بنا في المنطق الصوري، إذ يتميز الاستدلال فيه بكونه استنتاجيا، ثم أن تطور الرياضيات انتهى إلى ما يسمى بالمنطق الرياضي فهل يعني أن الرياضيات ترتد إلى أصول منطقية أم أن الرياضيات رياضيات والمنطق منطق؟ ب. التحليل: 1. الموقف الرياضي: ينظر الرياضيون باستعلاء إلى المنطق، ورفضوا أن ترد الرياضيات إلى المنطق لأنها ببساطة علم مستقل بكل المعاني. إن عناصر الاختلاف والتباين بين الرياضيات والمنطق أقوى من عناصر التشابه، فمن ناحية النشأة تعود الرياضيات إلى واضع مبادئها إقليدس ويعود المنطق إلى الفيلسوف أرسطو، الرياضيات علم مستقل والمنطق مدخل للفلسفة كما يختلفان في الموضوع والمنهج والنتائج، فالموضوع الرياضي، كمي، رمزي بينما الموضوع المنطقي، لغوي، كيفي أم المنهج فهو في الرياضيات تحليلي وتركيبي لا يكتفي بالبرهنة بل يؤدي إلى الإبداع بينما الاستدلال المنطقي تحليلي فقط يصلح للبرهنة والإقناع، لينعكس كل ذلك على النتائج فهي كمية إبداعية في الرياضيات، تحصيل حاصل في المنطق، هذا الموازنة تفيد أن الرياضيات علم مستقل لا يرتد إلى الرياضيات ومن دعاة هذا الطرح، هنري بوانكاري وقوبلو...الخ. النقد: يصح هذا الموقف لو كان القصد بالرياضيات تلك التي وضع أقليدس أسسها وبالمنطق، المنطق الأرسطي ولكن الرياضيات لم تبق كما وضع إقليدس مبادئها ولم يبق المنطق كما أراده أرسطو، فظهور المنطق الرمزي يدفع إلى إعادة النظر. 2. الموقف المنطقي: دافع برتراند راسل بقوة على الموقف القائل أن الرياضيات في تطورها انتهت إلى المنطق وهو يقصد المنطق الرياضي الذي يعد أعلى شكل بلغته الرياضيات في هذا التطور يتحدى راسل الرياضيين والمناطقة على حد سواء أن يضعوا خطا فاصلا بين الرياضيات والمنطق، ... فالمنطق يمثل طور الرجولة والنضج والبلوغ للرياضيات والدليل منجزات المنطق الرياضي. النقد: يبدو أن راسل يعني في نظريته المنطق الرياضي وهو من هذا الزاوية صحيح ولكن الرياضيات ليست هي المنطق الرياضي. نتيجة: لا ترتد الرياضيات إلى المنطق إلا جزئيا. مشكلة أثر الرياضيات في العلوم [الرياضيات ومعرفة الواقع]: كيف تكون معرفة الواقع، معرفة رياضية؟ أ. ضبط المشكلة: كتب أرسطو قائلا: "إن نبل الرياضيات يرجع إلى أنها لا تحقق أية منفعة" بمعنى أن قيمة الرياضيات تكمن في كونها نظرية مجردة منزهة عن كل ما هو مادي، وسميت الرياضيات كذلك لأنها رياضة عقلية، لكن ظهور العلوم المختلفة واستعارتها لغة الدقة من الرياضيات، غير النظرة إلى الرياضيات وأصبح يعول عليها كثيرا في فهمنا للواقع فكيف ذلك؟ أين يتجلى أثر الرياضيات وما قيمة هذا التأثير. ب. التحليل: أ. تتميز الرياضيات بخاصيتين أساسيتين: أولا كونها كمية دقيقة تعبر عن قضاياها في صورة رموز تعوض التعبير اللغوي المتداول وما فيه من مخاطر الذاتية وتجنب الفكر الوصف الكيفي الساذج. ثانيا كونها عقلانية صورية تجد انسجامها في منطقها وكأن الرياضيات جمعت بين خاصيتين جوهريتين الدقة من جهة واليقين من جهة ثانية، هذا ما جعل الرياضيات مطمح العلوم، بل أصبحت علمية العلم موقوفة على مدى لتشبيه بالرياضيات إذ عدها أو جست كونت "آلة ضرورية لجميع العلوم" ووصفت بأنها "العلم السيد"... ب. نقرأ هذا التأثير في العلوم التجريبية المختلفة، فإذا أخذنا على سبيل المثال الفيزياء لتبين لنا أن النقلة النوعية في هذا العلم كانت مع غاليلي الذي كان يقول: "إن الطبيعة كتاب مفتوح نقرأ فيه بلغة رياضية" بل يردف قائلا: "إن الفيزياء الحقة هي تلك التي تمارس ممارسة قبلية" أي تتصور في الذهن قبل أن تمارس في الواقع العملي وكأن الفيزياء ما أصبحت علما إلا حينما استعارت الخاصيتين التكميم والعقلنة، إن تأثر الفيزياء بالرياضيات لم يبق في حدود اللغة والرمز بل أصبحت دقة القانون مرهونة بصياغتها رياضية... يمكن أن نواصل كشف تأثير الرياضيات في كل العلوم [الفلك، البيولوجيا، العلوم الإنسانية...الخ]. ج. نكتشف من المثال السابق أن الرياضيات وغن كانت في طبيعتها نظرية ومنزهة عن الواقع، إذ يتعامل الرياضي مع كائنات مجردة فإن أثرها كان عظيما في فهم الواقع ويمكننا أن نعمم لنقول أن أثرها شمل حتى الفلسفة فالعقلانية الحديثة جرحت من عقلانية تقول أن لعقل وعاء به مبادئ كما كان يتصور ديكارت إلى عقلانية تنظر إلى العقل كطاقة للمعرفة تضع ما تشاء من المبادئ يذكرنا هذا بقول فيثاغورس قديما الكون أعداد.
موضوع: رد: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 1:57 pm
المسؤولية و الجزاء
مقدمة: يوصف الإنسان بأنه كائن أخلاقي بحاكم أفعاله ومن دون شك أن هذا التقييم وهذه المحاكمة نابعة من كون الإنسان مكلفا يشعر بالإلزام مرة أمام نفسه ومرة أمام غيره وهذا الإلزام يجعلنا نصفه بأنه مسئولا فماذا نعني بالمسؤولية ؟ ومتى يكون الإنسان مسؤولا؟...الخ. مفهوم المسؤولية: قد يفهم من المسؤولية في معناها العام الشائع السلطة وحينها يكون حب المسؤولية مساويا لحب السلطة أو كأن يقال جاء المسؤول الفلاني أي من يشغل منصبا معينا بيده الحل و الربط - لكن هذا المعنى يبدو سطحيا و ضيقا فهو لا يكشف عن طبيعة المسؤولية كما يجعلها من اختصاص أفراد دون آخرين. أما لغة فالمسؤولية مشتقة من السؤال وهي تعني من كان في وضع السؤال والمساءلة. وفي الاصطلاح: وهي الوضع الذي يجب فيه على التفاعل أن يسأل عن أفعاله - أي يعترف بأنها أفعاله و يتحمل نتائج هذه الأفعال وكما يقال باختصار:- هي "التبعية التي تلزم عن الفعل". شرطا المسؤولية: إن قراءة التعريف السابق تكشف على أن الوضع الذي يكون فيه الفاعل مسؤولا عن أفعاله هو وضع مشروط و ليس مطلقا. وهذا يعني أن المسؤولية لا تقوم إلا بشرطين هما: العقل: ومعناه القدرة على التمييز في الأفعال بين حسنها وقبيحها وهذا الشرط يستثني بالضرورة الطفل الصغر الذي لم يبلغ سن الرشد و لم تسمح له مداركه معرفة الخير والشر, كما تستبعد الدواب والبهائم لأنها فاقدة أصلا لهذه الخاصية وهذا ما يجعل المسؤولية ظاهرة إنسانية. الحرية: ونعني بذلك قدرة الفرد على القيام بالفعل وقد اتخذ المعتزلة من التكلف دليلا على الحرية الإرادة و هذا يكشف عن ارتباط الفعل بحرية صاحبه- وهذا الشرط يستثني الواقع تحت إكراه كالعبد. أنواع المسؤولية: إن القراءة المتأنية دوما للتعريف السابق تدفعنا إلى سؤال ما هي السلطة التي يكون الإنسان مسئولا أمامها؟ هناك مواقف يكون الفرد مسؤولا أمام نفسه و لا يحاسبه القانون على ذلك كان لا يفي الفرد بوعد قطعة على نفسه ' وهناك مواقف يكون الفرد مسؤولا ليس أمام نفسه فقط: بل أمام الغير سواء من خلال العرف أو القانون. وتبعا لذلك فالمسؤولية نوعان : -1 مسؤولية أخلاقية : وهي التي يكون فيها الفاعل أمام سلطة الضمير الأخلاقي ذاتية داخلية أساسها المطلق النية أو الباعث فقد يبدو لنا أن الشخص مجرما سفاحا وهو يشعر في قرارة نفسه بأنه ليس كذلك الجزاء فيها شعوري نفسي الجزاء فيها ثنائي ثواب وعقاب -2 مسؤولية اجتماعية وهي التي يكون فيها الإنسان أمام سلطة المجتمع موضوعية خارجية أساسها نتيجة الفعل بالدرجة الأولى وخاصة في المسؤولية المدنية التي لا تنظر إلا إلى الضرر -الجزاء فيها مادي تعويض أو قصاصا أو هما معا الجزاء فيها.....يغلب عليه طابع العقابد رغم هذا التمايز إلا آن التداخل بينهما قوي فالمسؤولية الأخلاقية أساس للمسؤولية الاجتماعية في نظر الأخلاقيين على الأقل إذا لا يستطيع الإنسان أن يتحمل نتائج أفعاله أقام الآخرين , إذا لم يكن لديه شعورا بالمسؤولية . بينما ينظر الاجتماعيون إلى أن المسؤولية الاجتماعية هي الأساس بحكم أن الشعور الأخلاقي (الضمير) هو نتيجة حتمية للنشأة والتربية وهو انعكاس للواقع الاجتماعي . مشكلة وظيفة الجزاء ضبط المشكلة: لا يختلف اثنان على أن الجزاء هو النتيجة الطبيعية لكون الإنسان مسؤولا لا يتحمل تبعات فعله أو كما يقال هو ما يستحقه الفاعل من ثواب أو عقاب, على أن الجزاء في المسؤولية الاجتماعية يأخذ في الغالب طابع العقاب, بمعنى إذا تم خرق القانون و الاعتداء على حقيقة الغير وممتلكاتهم اعتبر الفاعل جانيا مجرما وجب عقابه جزاءا لجنايته أو جرمه. لكن تقدم العلوم الإنسانية و الاهتمام بالسلوك الإجرامي و البحث في أسبابه حول الأنظار إلى وظيفة الجزاء أو العقاب و طرح السؤال التالي: لماذا نعاقب الجاني إذا جنى و المجرم إذا أجرم هل نعاقبه لاعتبارات أخلاقية أو الاعتبارات اجتماعية إصلاحية ؟ بمعنى هل الغاية من العقاب هي إحقاق وإنصاف العدالة أو الغاية من اجتماعية هي الإصلاح والعلاج والمداواة وكف الجريمة ؟ التحليل: أولا: النظرية العقلية الأخلاقية والمثالية والكلاسيكية داب الفلاسفة المثاليون منذ القيد على النظر الإنسان بوصفه كائنا متميزا عن غيره من الكائنات وهو يتميز بخاصتين جوهريتين تشكلان إنسانية وكينونة أولهما العقل وثانيهما الحرية والقدرة على الاختيار ولما كان كذلك فهو مسؤول بشكل مطلق يتحمل نتائج أفعاله كاملة وبموجب هذه المقدمات يكون الجزاء ضروري في جميع الأصول و الغاية منه بالاساس: هي إحقاق الحق وإنصاف العادلة الأكثر و لا اقل ويقصد بإحقاق الحق, أن الجاني يأخذ جزاءه بوصفه إنسانا يستحق أن تلتحق به نتائج أفعاله وفي هذا السياق يؤكد العقلانيون منهم كانط أن الجزاء حق من حقوق الجاني لا ينبغي إسقاطه احتراما لإنسانيته أما إنصاف العدالة فتعني الحرص على المساواة أمام القانون إذ لا ينبغي النظر إلى الفاعل ومن يكون ؟ وما هي ظروفه؟ ثم المساواة بين الجرم و العقوبة إذ لا ينبغي أن يكون الجزاء أكثر أو اقل من الفعل, وفي جميع الأحوال لا محل للبواعث و الأسباب, لقد قال افلاطون قديما :"أن الله بريء و أن البشر هم المسؤولون عن اختيارهم الحر , والى شيء من هذا يذهب كانط غلى أن الشرير مختار الله بإرادة حرة ." النقد: من الضروري أن يلحق الفعل بفاعله, وان يتحمل الفرد نتائج أفعاله و لكن الإصرار على وصف الإنسان بالكائن المتميز الحر و العاقل الذي لا يخضع فيه تجاهل للواقع وضغوطه وهو ما يدفع باستمرار إلى طرح السؤال هل من المنطقي والمعقول أن يختار الإنسان بعقله وحريته الشر مجانا؟ يعتقد الحتميون أن المجرم مجرم بالضرورة وطبقا لصرامة التفكير ولك بصفة عامة على ؟انه محصلة حتمية لأسباب سابقة و يصدق ذلك بشكل أو في على جريمة فهي ظاهرة طبيعية تربط بأسباب موضوعية يكفي كشفها و ضبطها وتحدد الوسائل التي نحد بها من تأـثيرها حتى تختص الجريمة بشكل تلقائي وحتمي و عليه فالجزاء كجزاء لا معنى له بل ينبغي الكف وطلاقا عن توظيف مفاهيم مثالية نظرية ميتافيزيقية في مجال العلم وإذا اقترضنا انه من الضروري أن نعاقب فلا يكون العقاب هدفا في حد ذاته بل يهدف كف الجريمة والقضاء عليها كحال المجرم بالعادة في نظر لومبروزو الذي ينبغي ا استئصاله ونفيه وعزله عن المجتمع أو حال المجرم بالضرورة الذي لا آمل و لا رجاء في علاجه أو إصلاح حاله إذ ينبغي القضاء عليه قبل ارتكاب الفعل وهو نفس الشيء الذي يسميه الاجتماعية وان وإجراءات الدفاع الاجتماعي والتي نذكر منها الحيلولة بين المجرم و المجتمع حتى لا يكون خطرا على المجتمع (العزل) التحقيق لمعرفة الأسباب تحديد الإجراءات الملائمة وفي جميع الأحوال يتجه مجهود الوضعيين إلى تامين الحياة الاجتماعية وكف الجريمة ومن ثمة يظل الهدف من الجزاء اجتماعيا فقط ولا نميز. نقد: إن كان لا نعترض على صيغة الدراسة العلمية للسلوك وتحديد أسبابا الجريمة و لا نعترض كذلك على تامين الحياة الاجتماعية من الجريمة إلا أن منطق الحتميين قادر إلى عكس النتائج المتوقعة فالجريمة ازدادت انتشارا في المجتمعات التي استجاب تشريعها لنداءات الوضعيين الحتميين.
موضوع: رد: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 1:58 pm
الشعور و اللاشعور
مقدمة: إذا كان من المؤكد إن الإنسان ككائن حي يشترك مع غيره من الكائنات الحية في مجمل الوظائف الحيوية، فإنه يبدو أن الإنسان يزيد عن غيره من هذه الكائنات بالوعي فينطبع سلوكه بطابع من المعقولية و الذي يصطلح على تسميته عادة بالشعور و الذي يمكننا من فهم ذواتنا و فهم ما يحيط بنا و تكفي المقارنة بين نائم و يقظ لنكتشف الفرق بينهما فاليقظ يعرف حالته النفسية بل و يستطيع صفها بينما يلاحظ العجز عند النائم كما يستطيع اليقظ أن يضبط أفعاله و يعطيها طابعا إراديا عكس النائم الذي يفتقد القدرة على ذلك، إن الفرق بين الاثنين كامن في الشعور و هذا يعني أنه يكتسب أهمية بالغة في حياتنا إذ يشكل الأساس لكل معرفة و من ثمة لا نستغرب كيف أن جميع الفلاسفة ينطلقون من مسلمة أن الإنسان كائن عاقل واع و بناء على .... تقدم نطرح الأسئلة التالية: ماذا يراد بالشعور؟ بماذا يتميز؟ هل يتصف دوما بالوضوح و القصدية أم يمكن أن يكون باهتا مختلطا؟ و الأهم هل الشعور و الوعي يطبع كل سلوكياتنا ليكون هو المقوم الوحيد لحياتنا النفسية أم أن الشعور لا يشمل كل الحياة النفسية بل بعضها مما يفتح المجال لفاعلية أخرى تؤثر في السلوك هي فاعلية اللاشعور؟ مفهوم الشعور: أ- المفهوم العامي: كثيرا نا تستعمل كلمة الشعور مرادفة للإحساس كأن يقال شعرت بالجوع أو أحسست بالجوع، كما تستعمل للتعبير عن الحالات النفسية الباطنية كالشعور بالفرح. نقد: يعترض علماء النفس على المساواة بين الشعور و الإحساس ذلك أن الإحساس عملية بيولوجية يشتر فيه الإنسان و الحيوان بينما الشعور عملية نفسية قوامها الوعي و الإدراك و المعرفة و من ثمة فهو خاص بالإنسان وحده. ب- المفهوم الاصطلاحي: تشير موسوعة لالاند الفلسفية أن الشعور يطلق على مجموعتين من العمليات، "الأولى الأكثر تداولا تكون الفكرة الرئيسية هي فكرة حالة عاطفية و في الثانية تكون فكرة المعرفة، لاسيما المعرفة المباشرة". و هذا يعني أن الشعور هو إدراك المرء لذاته، أفعاله و انفعالاته إدراكا مباشرا أو هو الاطلاع على ما يجري في النفس، أو هو الاطلاع المباشر على ما يجول في داخلنا من حالات شعورية. خصائص الشعور: من المفاهيم السابقة نكتشف أن الشعور يتصف بالخصائص التالية: 1/ الشعور إنساني: أي أن الشعور ظاهرة إنسانية بل هو الذي يعطي للإنسان إنسانيته فالحيوان قد يحس بالألم و لكنه لا يشعر بالألم ولا يعيه. 2/ الشعور ذاتي: كل خبرة شعورية تعبير عن حالة الفرد ذاته إذ لكل فرد منا إدراكاته و انفعالاته و عواطفه. 3/ الشعور حدس: أي أنه معرفة مباشرة، دون اللجوء إلى وسائط فالفرح لا يحتاج إلى شهادة من أحد تثبت فرحه. 4/ الشعور تيار مستمر ومتصل و دائم و متغير: و هذا يعني أن الشعور النفسي تيار لا ينقطع لقد أشار برغسون إلى هذه الخاصية و وصف الشعور بأنه ديمومة متجددة كما يتصف بالتغير من حيث الموضوع أو من حيث الشدة. 5/ الشعور انتقاء و اصطفاء: إذا كانت ساحة الشعور ضيقة لا تستوعب كل الأحوال الشعورية دفعة واحدة فهذا يعني أن الإنسان ينتقي منها ما يهمه في الحياة اليومية. 6/ الشعور كل متشابك: و هذا معناه أن الحالة النفسية ظاهرة معقدة ترتبط بجملة من الشروط النفسية و العضوية و الاجتماعية. الشعور و الحياة النفسية: أ- النظرية التقيدية: اعتقد الكثير من الفلاسفة و من بعدهم علماء النفس أن الشعور قوام الحياة الإنسانية و لعل أوضح اتجاه فلسفي أكد هذه الحقيقة و بشكل قطعي هو الاتجاه العقلاني الذي أرسى دعائمه ديكارت من خلال الكوجيتو "أنا أفكر إذن أنا موجود" غير أن الفكرة أخذت عمقها مع علم النفس التقليدي و ننتقي للتعبير عنه برغسون مؤسس علم النفس الاستبطاني و معه وليام جيمس في بداية حياته هذا الأخير الذي كتب يقول "إن علم النفس هو وصف وتفسير للأحوال الشعورية من حيث هي كذلك" لقد ناضل علماء النفس التقليديون في البدء ضد النزعة المادية السلوكية التي أنكرت وجود النفس و رأت في الظواهر النفسية و الأحوال الشعورية مجرد صدى للنشاط الجسمي، غير أن فكرة الشعور كأساس للحوادث النفسية تعزز مع الظواهرية، إذا أعطى إدموند هوسرل بعدا جديدا للمبدأ الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود" و حوله إلى مبدأ جديد سماه الكوجيتاتوم و نصه "أنا أفكر في شيء ما، فذاتي المفكرة إذن موجودة". و معناه أن الشعور ل يقوم بذاته و إنما يتجه بطبعه نحو موضوعاته. يلزم عن موقف كهذا أن ل حياة نفسية إلا ما قام على الشعور أي لا وجود لفاعلية أخرى تحكم السلوك سوى فاعلية الوعي و الشعور و من ثمة فعلم النفس التقليدي على حد تعبير هنري آي في كتابه الوعي "و قد قام علم النفس التقليدي على المعقولية التامة هذه و على التطابق المطلق بين الموضوع و العلم به و تضع دعواه الأساسية أن الشعور و الحياة النفسية مترادفان". إذا أردنا أن نقرأ الحجة التي يركن إليها هؤلاء وجدناها منطقية في طابعها فإذا كان ما هو شعوري نفسي فما هو نفسي شعوري أيضا و ما هو خارج الشعور لا يمكنه إلا أن يكف عن الوجود إذ كيف السبيل إلى إثبات ما لا يقبل الشعور و يلزم عن ذلك أن الحياة الشعورية مساوية تماما للحياة النفسية و اعكس صحيح. زيادة على حجة نفسية إذ الدليل على الطابع الواعي للسلوك هو شهادة الشعور ذاته كملاحظة داخلية. النقد: إذا كان الاعتقاد بأن ما هو شعوري نفسي صحيحا فإن عكس القضية القائل كل ما هو نفسي شعوري غير صحيح من الناحية المنطقية إذ الأصح أن يقال بعض ما هو نفسي شعوري أما من الناحية الواقعية فالسؤال الذي يطرح هو كيف نفسر بعض السلوكات التي نؤتيها و لا ندري لها سببا. ب- النظرية اللاشعورية: قبل الحديث عن النظرية اللاشعورية ينبغي أن نفرق بين المعنى العام للاشعور و بين المعنى الخاص أي بالمعنى السيكولوجي، فالأول يعني كل ما لا يخضع للوعي و للإحساسا كالدورة الدموية، أما المعنى الثاني فيقصد به مجموع الأحوال النفسية الباطنية التي تؤثر في السلوك دون وعي منا. غير أن الفكرة تتضح مع فرويد باعتباره رائدا للتحليل النفسي القائم على فكرة اللاشعور، إذ اللاشعور لديه هو ذلك الجانب الخفي من الميول و الرغبات التي تؤثر في السلوك بطريقة غير مباشرة و دون وعي. فكرة اللاشعور من الطرح الفلسفي إلى الطرح العلمي: ظل الاعتقاد سائدا لمدة طويلة أن الحياة النفسية قائمة أساسا على الشعور و الوعي و لا مجال للحديث عن اللاشعور، غير أن ذلك لا يعني أن الفلسفة لم تطرح فكرة اللاشعور بل يلاحظ أن لايبنتز في اعتراضه على الفكرة الديكارتية القائلة أن النفس قادرة على تأمل كل أحوالها و من ثمة الشعور بها و يلخص هذه المعارضة في ثلاث نقاط هي: 1/ الإدراكات الصغيرة: هنالك إدراكات متناهية في الصغر لا حصر لها في النفس، تعجز النفس عن تأملها مثلها في ذلك مثل الموجة التي تحدث هديرا نسمعه و لكن لا نستطيع سماع صوت ذرات من ماء هذه الموجة رغم أنها مؤلفة لذلك الهدير. 2/ مبدأ التتابع: لا يوافق لايبنتز على أن النفس قادرة على تأمل كل أفكارها تبعا لمبدأ التتابع فالحاضر مثقل بالماضي و مشحون بالمستقبل و ليس بالإمكان أن نتأمل و بوضوح كل أفكارنا و إلا فالتفكير يأخذ في تأمل كل تأمل إلى ما لا نهاية دون الانتقال إلى فكرة جديدة. 3/ الأفعال الآلية: و هذه ينعدم فيها الشعور، إن تأثير العادة في السلوك يجعلنا لا نشعر به أو يجعله لا شعوريا، يقول لايبنتز: "إن العادة هي التي لا تجعلنا نأبه لجعجعة المطحنة أو لضجة الشلال". النقد: إم محاولة لايبنتز الفلسفية لتأكيد إمكانية وجود اللاشعور لاقت معارضة شديدة لأن السؤال المطروح هو كيف يمكن أن نثبت بالوعي و الشعور ما لايقبل الوعي أو الشعور. وضعية علم النفس قبيل التحليل النفسي: إن تقدم علم النفس و الاهتمام بالمرضى النفسيين أدى إلى نتائج هامة في علم النفس و منها المدرستين الشهيرتين في علم النفس. 1/ المدرسة العضوية: كان تفكير الأطباء في هذه المدرسة يتجه إلى اعتبار الاضطرابات النفسية و العقلية ناشئة عن اضطرابات تصيب المخ، و يمثل هذا الرأي الطبيب الألماني وليم جريسنجر (1818-1868م) لتنتشر بعد ذلك آراء جريسنجر و كانت تعالج الاضطرابات النفسية بالعقاقير و الأدوية و الراحة و الحمامات و التسلية... 2/ المدرسة النفسية: في مقابل المدرسة السابقة اعتقد بعض الأطباء ذوي النزعة النفسية أن الاضطرابات النفسية تعود إلى علل نفسية و من المؤسسين الأوائل لهذه المدرسة مسمر (1784-1815م) الذي اعتقد بوجود قوة مغناطيسية تحكم النفس و أن امرض ناتج عن اختلال في هذه القوة و من ثمة كان جهد الطبيب ينصب على إعادة التوازن لهذه القوة. و من أشهر الأطباء الذي استخدموا التنويم في علاج الأمراض برنهايم (1837-1919م) و لقيت هذه النظرية رواجا و خاصة بعد انضمام شاركو إليها بعد ما رفضها مدة طويلة في هذه الأثناء كان فرويد يولي اهتماما إلى كيفية علاج الأمراض النفسية فسافر إلى فرنسا أين اشتغل بالتنويم ثم عدل عنه بعد حين. اللاشعور مع فرويد: ما كان لفرويد أن يبدع النظرية اللاشعورية لو لا شعوره بعجز التفسير العضوي للاضطرابات النفسية وكذا عجز النظرية الروحية و يمكن تبين وجهة النظر اللاشعورية من خلال إجابتها على الأسئلة التالية: إذا كان هنالك لا شعور ما الدليل على وجوده؟ كيف يمكن أن يتكون و يشتغل؟ و كيف يمكن النفاذ إليه؟ مظاهر اللاشعور: حرص فرويد على بيان المظاهر المختلفة التي يبدو و من خلالها البعد اللاشعوري للسلوك و التي تعطي المشروعية التامة لفرضية اللاشعور إذ يقول فرويد "إن فرضية اللاشعور فرضية لازمة و مشروعة و أن لنا أدلة كثيرة على وجود اللاشعور". ومنها: * الأفعال المغلوطة: التي نسميها عادة فلتات لسان و زلات قلم و التي تدل على أنها تترجم رغبات دفينة، لأن السؤال الذي يطرحه فرويد هو لماذا تظهر تلك الأفعال مع أن السياق لا يقتضيها، و لماذا تظهر تلك الأخطاء بالذات لا شك أن الأمر يتعلق بوجه آخر للحياة النفسية، لأن الوعي لا ينظر إليها إلا باعتبارها أخطاء، مع أن فهمها الحقيقي لا يكون إلا في مستوى لا شعوري "فأنت ترى الإنسان السليم، كالمريض على السواء يبدي من الأفعال النفسية ما ل يمكن تفسيره إلا بافتراض أفعال أخرى يضيق عنه الشعور". * الاضطرابات النفسية أو العقد النفسية: مظهر آخر يدل على أن الحياة النفسية حياة لا شعورية فهي من وجهة نظر فرويد تعبير مرضي تسلكه الرغبة المكبوتة فيظهر أعراضا قسرية تظهر الاختلال الواضح في السلوك. * أحلام النوم: اكتسب الحلم معنى جديدا عند فرويد، إذ أوحت له تجاربه أن الرغبة المكبوتة تتحين الفرص ااتعبير عن نفسها و أثناء النوم حينما تكون سلطة الرقيب ضعيفة تلبس الرغبة المكبوتة ثوبا جديدا وتطفو على السطح في شكل رموز على الحيل اللاشعورية كالإسقاط و التبرير...إلخ. و حاصل التحليل أن فرويد يصل نتيجة حاسمة أن المظاهر السابقة تعبر عن ثغرات الوعي و هي تؤكد على وجود حياة نفسية ل شعورية. و بتعبير فرويد تكون هذه المظاهر "حجة لا ترد" على وجود اللاشعور. الجهاز النفسي: لكي نفهم آلية اشتغال اللاشعور و طريقة تكونه يضع فرويد أمامنا تصورا للحياة النفسية، إذ يفترض أن النفس مشدودة بثلاث قوى: الهوى: الذي يمثل أقدم قسم من أقسام الجهاز النفسي و يحتوي على كل موروث طبيعي أي ما هو موجود بحكم الولادة، بمعنى أن الهوى يمثل حضور الطبيعة فينا بكل بدائيتها و حيوانتها الممثلة رأسا في الغرائز و أقوامها الجنسية و هذه محكومة بمبدأ اللذة و بالتالي فهي تسعى التي التحقق، إنها في حالة حركة و تأثير دائم. الأنا: ونعني بها الذات الواعية و التي نشأت ونبتت في الأصل من الهوى و بفعل التنشئة امتلكت سلطة الإشراف على الحركة و السلوك و الفعل الإرادي و مهمتها حفظ الذات من خلال تخزينها للخبرات المتعلقة بها في الذاكرة و حفظ الذات يقتضي التكيف سواء بالهروب مما يضر بحفظ الذات أو بالنشاط بما يحقق نفس الغاية، و هي بهذا تصدر أحكاما فيما يتعلق بإشباع الحاجات كالتأجيل أو القمع. الأنا الأعلى: و هي قوة في النفس تمثل حضور المجتمع بأوامره و نواهيه أو بلغة أخرى حضور الثقافة، فقد لاحظ فرويد أن مدة الطفولة الطويلة تجعل الطفل يعتمد على والديه الذين يزرعان فيه قيم المجتمع ونظامه الثقافي لأن هذا ما يقتضيه الواقع، فيمارس الأنا الأعلى ضغطا على الأنا. التي تكون مطالبة في الأخير بالسعي إلى تحقيق قدر من التوفيق بين مطالب الهوى و أوامر و نواهي المجتمع فيلزم على ذلك صد الرغبات و ينتج عن هذا الصد ما يسمى بالكبت، الذي يختلف عن الكبح في كون الأول لا شعوري و الثاني شعوري و كبت الرغبة لا يعني موتها بل عودتها إلى الظهور في شكل جديد تمثله المظاهر السابقة. التحليل النفسي: لم تتوقف جهود فرويد على القول بحياة نفسية لا شعورية بل اجتهد في ابتكار طريقة تساعد على النفاذ إلى المحتوى اللاشعوري لمعرفته من جهة و لتحقيق التطهير النفسي من جهة أخرى و يقوم التحليل النفسي على مبدأ التداعي الحر للذكريات و القصد منه مساعدة المريض على العودة بذاكرته إلى مراحل الطفولة الأولى و الشكل المرضي و الشاذ و المنحرف للرغبة و استعان فرويد في وقت لاحق بتحليل رموز الأحلام وكان ذلك في الأصل بطلب من إحدى مريضاته زيادة إلى البحث في النسيان شأن أستاذ الأدب الجامعية التي كانت تنسى باستمرار اسم أديب مشهور فكان أن اكتشف فرويد أن اسم الأديب هو نفس الاسم لشخص كانت له معها تجربة مؤلمة. و باختصار يمكن تلخيص مراحل العلاج في: أولا اكتشاف المضمون اللاشعوري للمريض ثانيا حمله على تذكر الأسباب و التغلب على العوائق التي تمنع خروج الذكريات من اللاشعور إلى الشعور. لكن ينبغي أن نفهم أن فرويد لم يجعل من التحليل النفسي مجرد طريقة للعلاج بل أصبح منهجا لمعرفة و فهم السلوك ثم أصبح منهجا تعدى حدود علم النفس إلى الفلسفة. قيمة النظرية اللاشعورية: حققت النظرية اللاشعورية نجاحات مهمة و عدت فتحا جديدا في ميدان العلوم الإنسانية، فمن الناحية العرفية أعطت النظرية فهما جديدا للسلوك يتم بالعمق إذ لم تعد أسباب الظواهر هي ما يبدو بل أصبحت أسبابها هي ما يختفي و هذا ما أوحى للبنيوية لا حقا لتعطي ميزة للبنية من أنها لا شعورية متخفية ينبغي كشفها. أما من الناحية العملية فالنظرية اللاشعورية انتهت إلى منهج ساهم في علاج الاضطرابات النفسية. و مع ذلك كانت للمبالغة في القول باللاشعور انتقادات لاذعة يمكن إجمالها في اثنين: أولا: معرفيا ترتب على اللجوء البسيط إلى اللاشعور نقل ثقل الحياة النفسية من مجال واع إلى مجال مبهم غامض و هذه ملاحظة المحلل النفساني جوزاف نتان، كما ترتب على ذلك التقليل من شأن الشعور أو الوعي و هي خاصية إنسانية و هو ما ترفضه الوجودية و الظواهرية معا فكارل ياسبرس يرفض أن يكون اللاشعور أساس الوجود لأنه ببساطة وجد لدراسة السلوك الشاذ أو المرضي و لا مبرر لتعميمه، فالوجود أوسع من أن يستوعبه اللاشعور و هو نفس الرفض الذي نجده عند سارتر الذي لا يراه سوى خداعا و تضليلا إذ يتعارض مع الحرية، إن ربط اللاشعور بدوافع غريزية (الغريزة الجنسية) آثار حفيظة الأخلاقيين و الإنسانيين إذ كيف تفسر مظاهر الإبداع و الثقافة الإنسانية بردها إلى ما دونها و هي الغريزة الجنسية. ثانيا عمليا و تطبيقيا: لم يحقق التحليل النفسي ما كان مرجوا منه إذ يعترف فرويد بصعوبة إثارة الذكريات الكامنة و هو ما دفع بعض امحللين إلى توسيع دائرة التحليل باعتماد طريق جديد مثل إكمال الصورة المنقوصة أو إكمال حوار أو قصة ناقصة. أو التعليق على بقعة الحبر...إلخ. خاتمة: مهما تكن الانتقادات الموجهة إلى التحليل النفسي فإن علم النفس اليوم يسلم بأن حياتنا النفسية يتقاسمها تفسيرات كثيرة منها النفسية شعورية و لا شعورية و منها العضوية السلوكية و منها الاجتماعية الثقافية.
موضوع: رد: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 1:59 pm
العادة و أثرها
مقدمة: إذا كان من الطبيعي أن يكون الانفعال نتيجة للمؤثرات التي يتلقاها الفرد من بيئته مما يجعل الانفعال ظاهرة طبيعية بل و ضرورية في كثير من المواقف غير أن الانفعال إذا كان شديدا و قويا أي هيجانا كان تأثيره سلبي في أغلب الأحيان مما يؤدي إلى ضرورة تعديله على أن هذا التعديل يمكن أن يكون فطريا خالصا كما هو الشأن لدى بعض الحيوانات و يمكن أن يخضع للإرادة و بالتالي يكون مكتسبا و خاصة عند الإنسان فالاكتساب بهذا المعنى هو تحصيل بعض الخبرات و الاستغاثة بها لتحقيق التكيف مع الوسط و هذا ما يفسر الطابع المتطور لسلوك الإنسان. غير أن عملية الاكتساب لدى الإنسان ليست آلية البدء بل يبذل الفرد جهدا كبيرا لتحقيق ذلك و لكن سرعان ما يبدأ الجهد في الزوال و باكتساب السلوك يصبح صدوره عفويا أو آليا مما يفسح المجال لاكتساب سلوك جديد، و لنأخذ على سبيل المثال ركوب الدراجة في البدء تكون العملية شاقة و صعبة تكون مصحوبة بتركيز شديد للجسم و انتباه قوي على المستوى انفسي و تكون مشوبة بالحذر و الخوف من السقوط شيئا فشيئا يتحقق التوازن و تصبح العملية سهلة أكثر لدرجة يمكن قيادة الدراجة بأدنى جهد مع إمكانية التفكير في أمور أخرى. يمكننا القول هنا أن هذا السلوك بدأ بالتعلم و انتهى على شكل عادة و السؤال المطروح ماذا نعني بالعادة؟ و ما أثرها على السلوك؟ مفهوم العادة: العادة هي النشاط الذي يتكرر صدوره عن الفرد بطريقة سهلة لا مشقة فيها. النقد: نلاحظ أن هذا المفهوم يمكن أن ندخل في إطاره السلوك الفطري فهل هذا يعني أن سلوك العادة مساوي للسلوك الغريزي الفطري؟ رغم ما بينهما من تشابه في كونهما تلقائيان يصدران بسهولة و لا نبذل من خلال ذلك أي جهد. فهما يختلفان كثيرا و يمكن أن نرصد هذا الاختلاف فيما يلي: السلوك الغريزي فطري في حين سلوك العادة مكتسب. السلوك الغريزي عام و شامل لكل أفراد النوع في حين سلوك العادة خاص. السلوك الغريزي حيوي من حيث الدور أما العادة فدورها حضاري إن صح هذا التعبير أي أنها تسهم في تطور السلوك. إن هذه الاختلافات تفرض علينا إعادة تشكيل مفهوم للعادة. "العادة سلوك مكتسب متصلب يؤدي إلى نوع من الآلية شبيه بما نلاحظه في السلوك الفطري" خصائص العادة: " العادة سلوك مكتسب قائم على التكرار يتصف بالتنوع و القابلية للتغير النسبي". التنوع: يتميز سلوك العادة بالتنوع إذ يمكننا إحصاء أنواع عدة منها: 1- العادات الجسمية: عادة عضوية و تتمثل في الكيفيات التي يقوم بها الجسم تجاه الطقس و التغذية و حتى السموم و هذا النوع من العادة مشتركة بين الكائنات الحية. عادة حركية: و هي تكرار لحركات معينة تعب فيها المرونة العضلية و العصبية دورا أساسيا مثلا براعة العازف على البيانو- الضارب على الآلة الكاتب، أو المتزحلق على الجليد. 2- العادات النفسية: 1- عادة انفعالية أي أننا نتعود أن نكره بعض المواضيع و أن نحب أخرى و بمعنى آخر يستقطب موضوعا ما حالة انفعالية ما و بالتكرار تصبح عادة. 2-عادة ذهنية: و هو ما نلاحظه من ميل لبعض الأشخاص إلى تطبيق بعض القواعد و إهمال أخرى مثلا الشخص الذي يتمرس على الأساليب لمنطقية و المنهجية يميل عفويا إلى الوضوح و الدقة. 3- العادات الاجتماعية: و تتمثل أساسا في القواعد الاجتماعية التي نتلقاها من المجتمع والتكرار فتصبح قوالب جاهزة نتصرف وفقها. التفاعل: إن اكتساب العادات لا يعني أنها ثابتة بشكل مطلق بل يمكن كف بعض العادات أو تغييرها بعادات أخرى و هذا ما يسمى بتفاعل العادات. و يستغل علماء النفس هذه الخاصية في كف بعض العادات السلبية عن طريق الاشتراط فالطفل الذي يخاف من بعض الحيوانات كالقطط مثلا يستغل دافع الجوع عند الطفل و عند تقديم الطعام للطفل يوضع الحيوان إلى جانبه و بالتكرار تكف عادة الخوف من القطط. كما يمكن كف بعض العادات عن طريق الإبدال. فكف عادة التدخين يكون مثلا بعود السواك. و بالقدر الذي تكف به بعض العادة يمكن إحياء بعض العادات الأخرى بسهولة فمثلا التدخين يمكن العودة إلى عادة التدخين مع أول سيجارة، أو مثلا التدرب على مهن معينة و يقال في هذا الشأن "إحياء العادة أيسر من كفها". أثر العادة في السلوك: إن الاهتمام بسلوك العادة و محاولة معرفته و فهمه الغرض منه معرفة مدى تأثيرها في السلوك، و لئن كان الاتفاق سائدا في أن العادة تؤثر في السلوك فإن العلماء اختلفوا في وصف هذا التأثير فمنهم من يرى أن للعادة تأثير سلبي في السلوك حتى قيل "خير عادة أن لا يكون للمرء عادة" و منهم من رأى عكس ذلك و أكد التأثير االإيجابي لها لدرجة قيل معها "لو لا العادة لكنا نقضي اليوم كاملا لقيام بأعمال تافهة". ترى أي عادة يكون تأثيرها سلبي و أيها يكون تأثيرها إيجابي؟ سلبيات العادة: حذر رجال الأخلاق مرارا من استبداد العادة بالسلوك و طغيانها لأن ذلك يؤدي إلى أخطار جسمية نذكر منها: أنها تسبب الركود و تقضي على المبادرات الفردية و تستبد بالإرادة فيصير الفرد عبدا لها و خير مثال ما نراه عند بعض الناس من قناعات تعودوا عليها إذ من الصعب إقناعهم بغير ذلك. و هذا الركود يمس السلوك كما يمس الفكر. تضعف الشعور و تقوي العفوية على حساب فاعلية الفكر فالجلاد الذي يتعود الجلد لا يأبه لتأوهات المجلود و الطبيب الجراح لا يثيره منظر الدماء لقد قال روسو في ذلك "إن المعاينة المستدعية لمشهد البؤس تقسي القلوب". و قال الشاعر الفرنسي سولي برودم "الجميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشرا و بحركاتهم آلات" العادة تقتل الروح النقدية: إن العادة تقف في وجه المعرفة كعقبة ابستمولوجية، إن التاريخ يذكر أن كوبرنيك أحرق لأنه جاء بفكرة مخالفة لما تعوده الناس آنذاك من أن الأرض هي مركز الكون و غاليلي حوكم و هدد بالموت إن لم يتراجع عن فكرته من أن الأرض تدور. للعادة خطر في المجال الاجتماعي: ذلك أنها تمنع كل تحرر من الأفكار و العادات البالية إنها تقف ضد كل تقدم اجتماعي و ما صراع الأجيال سوى مظهر لتأثير العادة في النفوس و العقول...إلخ. إن هذه المساوئ حملت روسو على القول كما رأينا "خير عادة أن لا يكون للمرء عادة". النقد: إن هذه السلبيات لا تعني إبطال العادة أو القضاء على قيمتها فالعادة التي وصفت بهذه السلبية هي العادات التي لا تقع تحت طائلة العقل و الفكر و الإرادة لأن هنالك عادات أثرها محمود في السلوك و من ذلك مثلا: 1/ أن العادة تحرر الانتباه و الفكر و نجعله مهيئا لتعلم أشياء جديدة و بذا تكون العادة دافعا للتطور. 2/ العادة توفر الوقت و الجهد فلولا العادة لكنا نبذل جهودا مضنية في اكتساب بعض السلوكات و تبقى تلك الجهود مستمرة كلما قمنا بنفس السلوك إن العامل في مصنعه و الحرفي في مهنته ينجز أعماله في أقل وقت ممكن و بأدنى جهد. 3/ العادة تؤدي إلى الدقة و الإتقان في العمل و نتبين ذلك بشكل جلي عند الضارب على آلات الراقنة أو في الصناعات التقليدية. و مما سبق نستنتج أن العادة ليست مجرد سلوك تقتصر على تكرار حركات روتينية رتيبة داعا لأن العادة تقدم لنا ما لم تقدمه الطبيعة فهي تنوب مناب السلوك الغريزي و تجعل المرء أكثر استعدادا لمواجهة المواقف الجديدة و لذا قيل "لو لا العادة لكذا نقضي اليوم كاملا في القيام بأعمال تافهة". النقد: هذا لا يعني أن نجعل العادة غاية بل هي مجرد وسيلة إن أحسنا استغلالها و استعمالها. الخاتمة: حتى نضع حدا للجدل القائم يجب التمييز بين نوعين من العادات عادات منفعلة و عادات فعالة عادات تأخذها و أخرى نأخذها إن العادة المنفعلة التي تأخذ الفرد هي تلك التي لا تخضع لسلطان العقل بقواه الفاحصة و بالتالي تكون نتيجتها سلبية أما العادات الفعالة التي نأخذها فهي تلك التي تخضع للمراقبة العقلية فتتحكم فيها الذاكرة و الإرادة و تنطلق مصحوبة بالتمييز و بدلا من ميلها نحو الثبات أو التكرار الآلي تميل إلى إنتاج بعض الأفعال بصورة سهلة إن العادة الفاعلة تمنح الجسم الرشاقة و السيولة أما العادة المنفعلة فإن ميزتها الصلابة. لقد قال شوفاليي "إن العادة هي أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها". إذ المسألة ليست مسألة عادة بقدر ما هي مسألة الشخص الذي يتبنى هذه العادة أو تلك.
بسمة امل مشرفة منتدى حواء
الجنس :
عدد المساهمات : 3257
الوظيفة :
وطني :
موضوع: رد: دروس في مادة الفلسفة 3 ثانوي الخميس سبتمبر 23, 2010 8:12 pm