كثيرة هي مظاهره متعددة اسبابه خفي امره حتى لكأنه يتجلى في مجالات عدة نحسب لها الف حساب ولا ندري مصدرها ولا المؤثر فيها ولا كيفية تشخيصها وتطرح بإلحاح على مستوى المشاكل النفسية والأوهام والإكتئاب واليأس والقنوط وضعف اليقين وسوء الطالع وقلة الحظ والتخبط في دوامة أزمات لا متناهية وغيرها..
هو افة العصر وسرطان الباطن والمرض المزمن وقل ما شئت من اوصاف السلبية والفشل والانهزامية بل هو وراء كل إحباط في الحياة وخسران بعد الممات.
اسباب طرحي لهذا الموضوع هو ما يمليه علينا واقعنا المعاش من تناقضات في الأفهام جعلتنا أبعد الناس عن فهم ديننا وشرع ربنا مع ما جاء به الاسلام من دواء للقلوب وصفاء للنفوس وحل لكل المعضلات سواء أكانت مادية أو معنوية ومن لم يعتقد غير ذلك ويسلم به فالخلل في إيمانه والعوز في يقينه بالله تعالى .
الفراغ الروحي :
قد يستغرب البعض أن وراء جميع الأوهام التي يتخبط فيها إنسان العصر وهو لا يدري لأن الأمر خفي عنه والمشاكل لا تزيده إلا خفاءا و لأن الإنسان لا يملك الوقت في التفكر والتدبر والوقوف ولو هنيهة ليسأل نفسه عن سر وجوده وعن حاله وماله وعن اسباب زيادة الايمان وعن مسالك الفتح الرباني وعن حسن الخاتمة وعن دخول الجنة وعن التحقق من الغاية المنسية { وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون } .
وغيرها من الأطاريح التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يزود بها الصحابة رضوان الله عليهم ويختبرهم ويبحث عن دائهم ويعجل بدوائهم وترك فينا القران والسنة مرجعا للشفاء وعاجل الدواء .قال عليه الصلاة والسلام لحارثة ابن زيد يوما : كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مومنا بالله حقا فاختبره النبي عليه الصلاة قائلا : لكل شيء علامة فما علامة إيمانك؟ قال : عزفت نفسي عن الدنيا فأظمأت نهاري وسهرت ليلي ورأيت عرش ربي حقا.. }
وكان يكثر بين الصحابة كذلك مثل هذا الترشيد السلوكي كقول بعضهم لبعض{ تعال نؤمن بربنا ساعة }وغيرها من التوجيهات المتعاهدة بينهم ..
لم لا نجد في تراثنا مثل هذا الطرح وهو التساؤل عن الاكتئاب وأمراض العقل والأمراض النفسية والوحدة والانعزالية؟؟ لما لم يسأل السلف الصالح مث هذا السؤال؟؟ بل لا نكاد نجد مصطلح الكابة والضيق والقنوط قي سير السلف الصالح
أفلا يكون وراء هذا كله فراغ روحي ونحن لا نبحث عنه ولا نعيره اهتماما ؟؟
لأننا أضعنا مكونات وجودنا ففرغت الروح التي شرفنا الحق عز وجل بها وأودعها في كياننا حين قال ( ونفخت فيه من روحي ) فرغت أرواحنا من واعظ يدلنا على حقيقة الأمور ووازع رادع يجنبنا المزالق والمهاوي وفي الحديث ( إذا أحب الله عبدا جعل له واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه ) .
ولعل من الأسباب المفضية إلى هذه الطوام والمهالك : النزعة المادية وطغيان الذاتية والاستهلاكية ..
نعم استحكمت المادة قي نفوسنا وجعلناها الحكم في كل ما نقدم عليه وهمنا إشباع الرغبات والنزوات وقضاء المصالح حتى أصبح الإنسان كالالة لا يبغي الاخر إلا ابتغاء قضاء حاجة أو مصلحة ثم تركه وشأنه
فأين المحبة الإيمانية التي جعلها النبي عليه الصلاة من ثوابت الإيمان { أن يحبه الرجل أخاه لا يحبه إلا لله }
بل انتزعتنا الإستهلاكية من الإحسان إلى أقاربنا وتفكر أرحامنا والعناية بأرواحنا فالإنسان صار همه ما يصرفه في اليوم ثم ما يتغداه غدا ثم مستقبل العمر وكثرة الأمل غرته الأماني وغره بالله الغرور وبقي يحتفظ بعنصر المادة فقط ضيع جمالية الروح ومنطق التفكير وتعلق بعنصر يشترك فيه هو والحيوان كالأكل والشرب والنوم والشهوة ....
ولذا أصبح إنسان العصر أقرب ما يكون إلى البهيمة يعمل ويكد ويلعب ويأكل ويشرب وينام.. بل من البهائم من يفوقه فالقرس أسرع والطير أسمع والهر أنفع وهذه معادلة قل من يتفطن لها هو أن الإنسان قد يرتقي إلى مستوى أفضل من الملائكة إذا زكى روحه وكبح جماح شهوته عن الحرام لأن الإنسان مبتلى بغرائزه فإذا ربى نفسه وصرف هواها ارتقى مقامه فهي أي :
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ****** حب الرضاع وإن تفطمه يفطم
بينما الملائكة لا شهوة لهم بل هم يسبحون الله بالليل والنهار ولا يفترون وقد ينزل الإنسان إلى مستوى أضل من البعير كما صور القران الكريم ( أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) وقال سبحانه : ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) يطلق سراح هواه فلا يفرق بين الحلال والحرام والحق والضلال ويفعل من الذنوب ما يستحيي من ذكره كاغتصاب الرجل لبنته وقتله أمه وذبحه أباه وما خفي كان أعظم ..
وهذا أمر يحتاج إلى دراسات علمية تقود فيها الشريعة بحوث الإجتماع والإقتصاد وعلم النفس لتصل في النهاية إلى ضعف الوازع الديني وشيوع الفراع الروحي.
و لا يعني هذا أبدا الخروج عن التكريم الإلهي للإنسان لأنه سبحانه بعد أن ذكر ذلك في قوله ( ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات ) استثنى منه بدلالة السياق والتبعية { ومن كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا ).و أثرت المادية المذكورة حتى على طريقة عبادتنا فأصبحنا نتعبد من أجل الجزاء فقط لا طلبا لللإستقامة و لا الإستدامة مثلا في رمضان تكثر العبادة والتعبد حتى إذا خرج ولينا الأدبار كذلك إذا كثرت الذنوب ولينا الوجهة إلى المسجد الحرام عازمين على محو الذنوب ثم العودة إلى ما كنا عليه من قبل ويصدق علينا قول من قال :
أوردها سعد وسعد مشتمل ****** ما هكذا يا سعد تورد الإبل
فلا تجد للعبادة مذاقا ولا حلوة صلاة مستعجلة وزكاة متأخرة وصيام بلهو ورفث ولا ورد يومي من القران ولا الأدعية ولا صحبة الصالحين ولا قراءة سير الأولين ثم نقول قد أصابنا الوهن والإكتئاب وضعف اليقين...
قلة الوعي الديني :
هذا سبب اخر من أسباب الفراغ الروحي لاأن أول ما فرضه علينا ديننا كما تعرفون هو طلب العلم والحرص على القراءة بشرط أن تكون قراءة ربانية لأنها هي الوسيلة لأمن النفوس وراحة الأرواح { إقرأ باسم ربك }
وهذا الشرط ينبغي أن يتحقق على مستوى الشرع وربانية التلقي . لا بأس ان ندرس في مؤسسات أجنبية ولكن لابد من الحصانة الداخلية .
فكيف نلقى الله وقد تركنا خلفنا ذرية لا تحفظ حتى الفاتحة من كتاب الله؟؟ وأنا لا أتكلم من فراغ هناك شواهد لاتعد ولا تحصى في وسط من درسوا بالجامعات الغربية حتى عسر عليهم حفظ قصار السور أو إتمام جملة مفيدة باللغة العربية نا هيك عن أمية المثقفين الدينية.
بل نحن أزهد الناس في العلم والمعرفة وزيارة العلماء وسؤال أهل الذكر وهذا أمر تلمسته هنا في واقعنا في شهر رمضان الكريم فتجد الفقيه يلقي دروسا في المسجد وهناك من يقول قد تأخر قد أطال ليخرجوا بعد ذلك للجلوس على قارعة الطريق والكلام في أعراض الناس . ( اللهم احفظنا)
بل العجب كانت تقام ندوات علمية يحضر فيها علماء متخصصون وتتناول قضايا هامة وتجدنا أزهد الناس فيها فليس هناك الا نفر أو نفرين وهي قضايا اجتهاد ومستقبل الامة واوقعها الاقتصادي او غير ذلك.
فيا سبحان الله إذا غابت القيم وشغلت الذمم واستولى الشر ه والنهم وسم المجتمع بأرذل الأخلاق والشيم فهذه جملة أسباب هذا الداء العضال..
لقد ذكرنا انفا اسباب الفراغ الروحي ومظاهره.. والان سوف نحاول معا ان نصل الى طرق علاجه..
كلنا نعلم ان حياة الإنسان لا تخلو من كدر يعكر صفوها ، وعناء يطفىء بريقها ، ولذا فإنه يسعى في البحث عن أية وسيلة تخفف معاناته وتهدىء نفسه حتى لو كانت ضده وكانت خارجة عن نطاق الدين والشريعة.
ومن الاسباب الاساسية التي تفضي للفراغ الروحي بشتى انواعه ومظاهره هي ضغوط الحياة ..اذن كيف سنحاول التغلب على ضغوط الحياة؟؟؟:
إن قدرة الفرد على التعامل مع ضغوط الحياة وأكدارها تكمن في قوى أربع أساسية :
& قوى روحية منهجية تصله بربه فيستمد منه العون . & وقوى نفسية تعطيه القدرة على المرونة في التعامل مع المتغيرات . & وقوى اجتماعية تدعم إيجابياته وترفض سلبياته . & وقوى عضوية بدنية تهيء له بدنا قادرا على تحمل متغيرات البيئة .
ضغوط الحياة :
لا تقتصر على الأحداث المؤلمة التي يشعر الإنسان بألمها ومرارتها فحسب ، وإنما تشمل أيضا الأحداث المفرحة التي ينتج عنها ردود أفعال غير طبيعية .
كأن يصاب الإنسان بفقدان الوعي إذا مـرّ بموقف مفرح ، أو يصاب بحالة هستيرية إذا بشر بمولود بعد عقم طويل .. إلخ .
ولكني سأتحدث هنا عن المواقف الضاغطة السلبية لشيوعها وشدة آثارها المؤلمة .
أسباب تفاوت الناس في الاستجابة لضغوط الحياة :
1- عوامل وراثية . 2- الغدد وإفرازاتها . 3- عوامل بيئية واجتماعية 4- الاستعداد الشخصي . 5- الفراغ الروحي 6- الإصرار على الذنوب والمعاصي .
الوقاية من آثار ضغوط الحياة :
@ تـة الوازع الديني .
@ التحصن بالأذكار والأوراد .
@ معرفة طبيعة الحياة .
@ القناعة .
@ التفكير الإيجابي .
أساليب معالجة آثار الضغوط والتعايش مع أحداث الحياة :
% مهارات أساسية للتعايش مع الضغوط ، و هي : 1- عالج الضغوط أولا بأول
2- خفف من الضغوط قدر الإمكان 3- لا تنظر إلى الماضي ولا تطل التفكير في المستقبل .
4- هونها تهن .. كبرها تكبر . 5- إياك واليأس من رحمة الله .
6- تفاءل والجأ إلى الإيحاء والخيال . 7- تشاغل عن آثار المصائب والضغوط . 8- نـفـسّ عن نفسك باستشارة الصديق الواعي . 9- تعلم مهارات الاسترخاء .
% خطوات عملية للتعامل مع المشكلات ، و هي :
1- الشعور بالمشكلة . 2- حدد أسباب المشكلة وحللها . 3- استعرض الحلول المطروحة للمشكلة واختر الأنسب منها .
ثالثا : أساليب علمية ، وتنقسم إلى : % العلاج النفسي ، ومنه : العلاج السلوكي :
يرى العلاج السلوكي أن الفرد خلال مراحل نموه يتعلم السلوك الصحيح أو الخاطئ . ولهذا فإنّ العلاج السلوكي يعمل على تعديل السلوك الخاطئ عن طريق إعادة تعلم سلوك جديد ، يتم بمقتضاه التخلص من العادات السلوكية الخاطئة في التعامل مع أحداث الحياة ، وإكسابه عادات سلوكية جديدة ، من خلال تعريضه عمدا لمواقف مثيرة للقلق والتوتر والغضب المحتملة ، مع تدريبه على السيطرة على انفعالاته وأفكاره ومشاعره ، وتعويده على طرد وساوس القلق والجزع والغضب ، وإبدالها بأفكار ومشاعر مفرحة في هذه المواقف .
انطلاقا مما سبق الذكر يتبين انه لعلاج الفراغ الروحي ينبغي معالجة الروح بالتقرب من الله والإيمان بوجود ه ووحدانيته, وكونه الخالق المتصرف في هذا الكون, وبكماله وكمال أفعاله, وبكونه الرازق المانع القادر على النفع والضر, بهذه العقيدة لا يخشى الإنسان على نفسه ومستقبله شيئا, ويتوجه بأمره كله إلى الله ويتقبل قضاءه وقدره بنفس راضية مطمئنة, يتقلب بين الصبر على مصاب فات ويسأل الله أن يفرجه, وبين الأمل والرجاء برحمة الله ونعمته في أن يكون مستقبله خيرا من حاضره. وبعقيدة التوكل يفوض أمره كله لله بعد أن يتخذ في أمره الأسباب التي يقدر عليها, ثم يفوض أمر النتائج إلى الله, راضيا بما قضاه الله وقدره موقنا بعدالة ربه, وكان صلى الله عليه وسلم يستفتح دعاءه بقوله (اللهم إني عبدك و ابن أمتك ناصيتي في يدك ماض في حكمك عدل في قضائك).
ومن أَجَلِّ العبادات التي تحقق هذه المعاني, وتساهم في تقويم السلوك والفكر وتفيد في العلاج الروحاني:
الصلاة: قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45), وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أصابه مصاب لجأ إلى الصلاة ، وقال لبلال ( أرحنا بالصلاة يا بلال ) وكان يقول: ( جعلت قرة عيني في الصلاة).
قراءة القرآن: قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء:82), وكان صلى الله عليه وسلم يدعو (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي و جلاء حزني و ذهاب همي إلا أذهب الله همه و أبدله مكان حزنه فرحا).
وفي الأخلاق الإسلامية علاجات روحيه ومن أَجَلِّ ذلك خلق الصبر الذي اعتنى به الإسلام أيما اعتناء فيه علاج روحي مباشر يقوي النفس في مواجهة المصائب, فيحفف ضغط المصيبة, ويحد من آثارها, ومنشأ الصبر الإيمان والاعتقاد بالقضاء والقدر, وادراك الإنسان حكمة الله من أفعاله. وإدراكه لفلسفة الكون وغاية الوجود كأن يعلم أن الدنيا دار ابتلاء، فيها الخير وفيها غير ذلك, فإن أصابه خير شكر وإن أصابه شر صبر, قال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر وكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن), وعبودية الإنسان لربه تجعله يتقبل المصائب لأنه يؤمن بأن الله اختارها له لحكمة ما, قد تكون لتعجيل العقاب في الدنيا لأنه أخف من عقاب الآخرة, وقد تكون لحكمة أخرى لا يعلمها, لكنه في كل الأحوال يؤمن بالحكمة الإلهية, ويسلِّم لها ويتقبل ما ينشأ عنها برضا, من هنا فإن الصبر تطبيق عملي لعقيدة التوحيد ولإيمان المسلم بقضاء الله وقدره, لذا كان (شطر الإيمان) أي نصفه.
أخيرا فإن شغل الوقت بالعمل المباح أساس في العلاج الروحي: فإن الفراغ مرض بحد ذاته, يجلب للإنسان الملل والإحباط ويشغله بفكر مجرد لا يفضي إلى عمل مفيد, وأطباء النفس يقولون مع الفراغ يصبح الإنسان أكثر عرضة للأمراض النفسية, وشغل الوقت في ما يفيد يجلب الخير ويقي من الأمراض, ومن الأمور التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم (اغتـخمسا قبل خمس... ( وذكر) فراغك قيل شغلك), والمؤمن في كل حالاته يشغل نفسه بما يفيد, (صمته فكر ونطقه ذكر ونظره عبر), فهو على كل أحواله في شغل نافع, وذلك يقيه من أهم أسباب الأمراض النفسية. نسأل الله الهداية للجميع وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الطاهرين اجمعين.