لا تكاد تمضي فترة قصيرة حتى يختفي ذلك الطفل الهادئ المستكين، المطيع لآبائه وأساتذته..
ليأخذ مكانه الشاب الطويل القامة، المتوقد الذكاء، والملتهب العاطفة، الثائر على كل سلطة كان يخضع لها من قبل حتى سلطة الوالدين والمدرسة.
ثم تتحرك الغريزة الجنسية لتبسط سلطانها على كثير من أفكاره وعواطفه، كما تتحرَّك عنده
(غريزة التدين)
- كما يقول علماء النفس-، والتي تظهر في زمن البلوغ، وتحدث أكثر ما تحدث بين العاشرة والخامسة والعشرين من عمر الإنسان.
يقول عالم النفس (ستاربك):
(( إذا لم يحدث التحوّل الديني قبل العشرين فقلَّما يحدث بعد ذلك)).
وأما (ستانلي هول) فيدرس أكثر من أربعة آلاف حالة، ويقرر أن التحول الديني حدث أكثر ما حدث في سن السادسة عشرة.
فهذه إذن هي المرحلة الحرجة في سن الشباب، وهي المرحلة التي يستيقظ فيها الشعور الديني الحي.
ولكن الأمر لا ينتهي هنا، فالشباب معرَّض في هذه المرحلة أيضاً إلى (الشكّ الديني). ويُعدُّ الشك الديني في مرحلة الشباب من المعالم العامة المميزة لتلك الحقبة...
ماذا يفعل الشاب الذي انصرف عنه المسؤولون بحكم صلة الدم، وصلة التربية، وصلة الروح؟.
اذا انصرف عنه الآباء والأمهات، مكتفين بتزويده بالإيواء المادي من سَكَنٍ وطعتم وملبس...
وإذا انصرف عنه المربّون مكتفين بتزويده بالعلوم والفنون في كتب ومحاضرات...
وإذا انصرف عنه رجال الدين مكتفين بإلقاء الخطب والمواعظ لمن يحضرون إليهم مرة كل أسبوع...
ماذا يفعل هؤلاء الشباب وقد وجدوا أمامهم سبلاً من المغريات والملهيات فيما يشاهَد في التلفاز والإنترنت، والسينما والمسارح، وما يقرأ في الصحف والمجلات؟!.
أليست النتيجة الطبيعية أنه يلتمس أيسر السبل للاستجابة لهذا الذي يطارده في كلّ مكان؟!.
وأسوأ من هذا وأدعى إلى انغماس الشباب في هذه الملهيات والمغريات؛ أنه يجد أولئك الذين تخلَّوا عن قيادته وريادته، وقد سبقوه إلى هذه الملهيات فاتخذوها دستوراً لحياتهم!.
فالشباب كالمسافر إلى أرض جديدة فيها كثير من المسالك الملتوية والمنعطفات، ولا بد لمثل هذا المسافر من خط سير أو خريطة، أو دليل يهديه السبيل.
وأنجح وسيلة لتزويد الشباب بهذا الدليل أو الخريطة هي تكوين الشخصية السوية التي تستطيع أن تقيم على نفسها رقابة داخلية لأعمالها وتصرفاتها، وذلك من خلال بناء قاعدة إيمانية راسخة ترتكز على أسس سليمة
.. ومناقشة موضوعية هادئة.
فسلامة الشباب الإسلامي في العهد الأول للإسلام كان مردّها لنشأته في بيئة صالحة بين أبوين مسلمين عاملين، هما قدوته ومَثَله الأعلى، في إيمان واطمئنان؛ لأن الإيمان هو أقوى الضمانات لسلامة السلوك البشري.
فالإيمان مشتق من الأمن والأمان، لأنه يملأ القلب طمأنينة، ويبعث في النفس الثقة، ويحيط المؤمن بسياج منيع يَحُولُ بينه وبين الشك المؤرق، الشك الذي يدل اشتقاق لفظه على معناه من الوخرز والإيلام والتردد في الرأي، ويحول دون وقوع الشاب في براثن المعاصي والآثام.
والقرآن الكريم يقدّم لنا في عديد من آياته صوراً رائعة للمؤمن، ولمن لا إيمان له ولا عقيدة عنده.
ويضرب الله لذلك مثلاً بقوله:
]أَوَ مَن كَانَ مَيْتاَ فَأَحْيَيْنَاه وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فيِ النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فيِ الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا[ .
وقوله تعالى:
]وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فيِ مَكَانٍ سَحِيقٍ[ .
وهذا ما يؤكد ضرورة تثبيت (العقيدة)
الإيمانية في صدر الشباب ليعرف طريقه ويضبط سلوكه.
وفي مقدمة أسباب هذا الشك ما يعمله عدد من المربين الدينيين، حينما يقدِّمون (الدين)
لتلاميذهم في عهد الطفولة، فيصورونه تصويراً ساذجاً لا يستطيع أن يجاري مراحل النمو العقلي التالية.
وهناك جماعات أو طوائف تمارس تضليل الشباب، ولا تكتفي بأقل من هدم الدين هدفاً لهم.
وثمة فريق آخر يهتم بنوع آخر من الأغلال، وهو الفريق الذي يريد أن يثبت في نفوس الشباب والناس عامةً عادة عدم الاكتراث بالدين، والسير في الحياة طبقاً لما تمليه الأهواء وتدفع إليه الشهوات.
وقد أوصى رسول الإنسانية صلوات ربي وسلامه عليه بالشباب فقال:
(( أوصيكم بالشباب خيراً، فإنهم أرقُّ أفئدة.. لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة..
فحالفني الشباب، وخالفني الشيوخ))
والشباب هم عماد الحاضر وأمل المستقبل.
تذكر يا أخي – كما يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله -: (( أنَّ دعاة الشر لا يتعبون ولا يبذلون جهداً، ولكن التعب وبذل الجهد على دعاة الخير!!.
فداعي الشر عنده كلّ ما تميل إليه النفس من العورات المكشوفة، والهوى المحرِّم. أما داعي الخير فما عنده إلا المنع!!.
ترى البنت المكشوفة فتميل إلى اجتلاء محاسنها، فيقول لك: غضّ بصرك عنها، ولا تنظر إليها..
ويجد التاجر الربح السهل من الربا، يناله بلا كدٍّ ولا تعب، فيقول له: دعه وانصرف عنه، ولا تمد يدك إليه..
ويبصر الموظف رفيقه يأخذ من الرشوة في دقيقة واحدة ما يعادل مرتبه عن ستة أشهر، فيقول له: لا تأخذها، ولا تستمتع بها.
يقول لهم داعي الخير:
اتركوا هذه اللذات الحاضرة المؤكّدة لتنالوا اللذات الآتية المغيّبة.
إنَّ من عجائب حكمة الله أن جعل مع الفضيلة ثوابها:
الصحة والنشاط، وجعل مع الرذيلة عقابها:
الانحطاط والمرض.
ولربَّ رجل ما جاوز الثلاثين يبدو مما جار على نفسه من الرذيلة والموبقات كابن ستين، وابن ستين يبدو من العفاف كشاب في الثلاثين)).
منقول