موضوع: مع خواطر إبن الجوزي الإثنين فبراير 04, 2013 4:43 pm
قال بن الجوزي رحمه الله. " كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ، والأخوَّة : عجائب ، فأخذت أعتب . ثم انتبهت لنفسي ، فقُلت : وما ينفع العتاب ؟! فإنهم إن صلحوا : فللعتاب ، لا للصفاء . فهممتُ بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيتُ الناس بين معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلتُ : لا تصلح مقاطعتهم ، إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة "، فإن لم يصلحوا لها : نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم . - فقد قال يحيى بن معاذ : " بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك ". وجمهور الناس اليوم معارف ، ويندر فيهم صديق في الظاهر ، فأما الأخوَّة والمصافاة : فذاك شيء نُسخ ، فلا يُطمع فيه . وما رأى الإنسان تصفو له أخوَّة من النسب ، ولا ولده ، ولا زوجته . فدع الطمع في الصفا ، وخذ عن الكل جانباً ، وعاملهم معاملة الغرباء . وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود ؛ فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره ، وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك . وقد قال الفضيل بن عياض : " إذا أردت أن تصادق صديقاً : فأغضبه ، فإن رأيته كما ينبغي : فصادقه ". وهذا اليوم مخاطرة ؛ لأنك إذا أغضبت أحداً : صار عدواً في الحال . والسبب في نسخ حكم الصفا : أن السلف كان همتهم الآخرة وحدها ، فصَفَت نياتهم في الأخوة ، والمخالطة ، فكانت دِيناً لا دنيا . والآن : فقد استولى حب الدنيا على القلوب ، فإن رأيت متملقاً في باب الدين : فاخبُرهُ : تَقْلَهُ – أي : إن اختبرته : تبين لك منه ما يبعدك عنه -.