موضوع: المختصر الثمين من أصول في التفسير لابن عثيمين -رحمه الله- الأربعاء نوفمبر 10, 2010 12:09 am
القرآن الكريم لغة : مصدر قرأ بمعني تلا أو جمع تقول قرأ قرءاً وقرآناً فعلى المعنى الأول يكون مصدراً بمعني اسم المفعول أي متلوّ، وعلى المعنى الثاني: يكون مصدراً بمعني اسم الفاعل أي جامع لجمعه الأخبار والأحكام . شرعا : كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس
نزول القرآن أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر في رمضان وكان عمره صلى الله عليه وسلم أربعين سنة. نزله من عند الله إليه صلى الله عليه وسلم جبريل أحد الملائكة المقربين كان له عليه السلام من الصفات الحميدة العظيمة من الكرم والقوة والقرب من الله تعالى والمكانة والاحترام بين الملائكة والأمانة والحسن والطهارة ما جعله أهلاً لأن يكون رسول الله تعالى بوحيه إلى رسوله
أول ما نزل من القرآن أول ما نزل على وجه الإطلاق الآيات الخمس الأولى من سورة العلق ثم فتر الوحي مدة ثم نزلت الآيات الخمس الأولى من سورة المدثر
نزول القرآن ابتدائي وسببي ابتدائي : ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه وهو غالب آيات القران منه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) نزلت ابتداء في بيان حال بعض المنافقين. سببي : ما تقدم نزوله سبب يقتضيه والسبب : 1. إما سؤال يجيب الله عنه مثل (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ). 2. أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير مثل : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) نزلتا في رجل من المنافقين قال في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قران هؤلاء أقرب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فجاء الرجل يعتذر والنبي صلى الله عليه وسلم يجيبه ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) 3. أو فعل واقع يحتاج إلى معرفة حكمه مثل : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
فوائد معرفة أسباب النزول : 1. بيان أن القران نزل من الله لأنه صلى الله عليه وسلم يسأل عن الشيء فيتوقف عن الجواب أحيانا حتى ينزل عليه الوحي أو يخفي الأمر الواقع فينزل الوحي مبينا له. 2. بيان عناية الله برسوله صلى الله عليه وسلم في الدفاع عنه 3. بيان عناية الله بعباده في تفريج كرباتهم وإزالة غموضهم 4. فهم الآية على الوجه الصحيح . عموم اللفظ وخصوص السبب : إذا نزلت الآية لسبب خاص ولفظها عام كان حكمها شاملا لسببها ولكل ما يتناوله لفظها لأن القران نزل تشريعا عاما لجميع الأمة فكانت العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه . مثال ذلك : آيات اللعان (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) هذه الآيات نزلت بسبب قذف هلال بن أمية لامرأته لكن حكمها شامل له ولغيره بدليل ما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ، أن عويمر العجلاني جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك فأمرهما صلى الله عليه وسلم بالملاعنه بما سمي الله في كتابه فلاعنها. فجعل صلى الله عليه وسلم حكم هذه الآيات شاملا لهلال بن أمية وغيره. المكي والمدني نزل القران على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا خلال ثلاث وعشرين سنة قضى صلى الله عليه وسلم أكثرها بمكة ولذلك قسم العلماء القرآن إلى قسمين: المكي : ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة . المدني : ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة .
يتميز القسم المكي عن المدني: 1. من حيث الأسلوب : - الغالب في المكي قوة الأسلوب وشدة الخطاب لان غالب المخاطبين معرضون مستكبرون أقرأ سورتي المدثر والقمر . والمدني فالغالب في أسلوبه اللين وسهولة الخطاب لأن غالب المخاطبين مقبلون أقرا سورة المائدة . - الغالب في المكي قصر الآيات وقوة المحاجة لأن غالب المخاطبين معادون مشاقون فخوطبوا بما تقتضيه حالهم أقرا سورة الطور . والمدني : الغالب فيه طول الآيات وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة لأن حالهم تقتضي ذلك أقرأ الدين في سورة البقرة . 2. من حيث الموضوع: - الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك . أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات لأن المخاطبين تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة. - الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال حيث شرع الجهاد وظهر النفاق بخلاف القسم المكي . فوائد معرفة المدني والمكي : 1. ظهور بلاغة القران في أعلى مراتبها حيث يخاطب كل قوم بما تقتضيه حالهم من قوة وشدة أو لين وسهولة . 2. ظهور حكمة التشريع في أسمى غاياته يتدرج شيئا فشيئا على ما تقتضيه حال المخاطبين واستعدادهم للقبول والتنفيذ . 3. تربية الدعاة إلى الله وتوجيههم إلى أن يتبعوا ما سلكه القران في الأسلوب والموضوع بحيث يبدأ بالأهم فالأهم وستعمل الشدة في موضعها والسهولة في موضعها . 4. تمييز الناسخ من المنسوخ فيما لو وردت آيتان مكية ومدنية يتحقق فيهما شروط النسخ فالمدنية ناسخة للمكية. الحكمة من نزول القرآن الكريم نزل عليه صلى الله عليه وسلم مفرقا ولنزوله على هذا الوجه حكم كثيرة: 1. تثبيت قلبه صلى الله عليه وسلم 2. تسهيله على الناس لحفظه وفهمه والعمل به حيث يقرأ عليهم شيئا فشيئا 3. تنشيط الهمم لقبول ما نزل من القران وتنفيذه حيث يتشوق الناس بلهف وشوق إلى نزول الآية لا سيما عند اشتداد الحاجة إليها كما في آيات الإفك واللعان . 4. التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه ألفوه ، وكان من الصعب عليهم أن يجابهوا بالمنع منه منعا باتا ترتيب القران : تلاوته تاليا بعضه بعضا حسبما هو مكتوب في المصاحف ومحفوظ في الصدور وهو ثلاثة أنواع : النوع الأول : ترتيب الكلمات بحيث تكون كل كلمة في موضعها من الآية وهذا ثابت بالنص والإجماع ولا نعلم مخالفا في وجوبه وتحريم مخالفته . النوع الثاني : ترتيب الآيات بحيث تكون كل آية في موضعها من السورة وهذا ثابت بالنص والإجماع وهو واجب على القول الراجح وتحرم مخالفته . النوع الثالث : ترتيب السور بحيث تكون كل سورة في موضعها من المصحف وهذا ثابت بالاجتهاد فلا يكون واجبا قال شيخ الإسلام ابن تيميه : " تجور قراءة هذه قبل هذه ، وكذا في الكتابة . ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها ، لكن لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان رضي الله عنه ، صار هذا مما سنة الخلفاء الراشدون وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب أتباعها " أهـ . كتابة القرآن وجمعه لكتابة القرآن وجمعه ثلاث مراحل : المرحلة الأولى : في عهده صلى الله عليه وسلم كان الاعتماد على الحفظ أكثر من الكتابة لقوة الذاكرة وسرعة الحفظ وقلة الكاتبين ووسائل الكتابة ولم يجمع في مصحف بل كان من سمع آية حفظها أو كتبها فيما تيسر له من عسب النخل ورقاع الجلود وكان القراء عددا كبيرا. المرحلة الثانية : في عهد أبي بكر رضي الله عنه في السنة الثانية عشرة من الهجرة . قتل في وقعة اليمامة عدد كبير من القراء منهم سالم مولى أبي حذيفة ، أحد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن منهم . فأمر أبو بكر رضي الله عنه بجمعه لئلا يضيع ووافق المسلمون أبا بكر على ذلك وعدوه من حسناته . المرحلة الثالثة : في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه في السنة الخامسة والعشرين ، اختلف الناس في القراءة بحسب اختلاف الصحف التي في أيدي الصحابة رضي الله عنهم فخيفت الفتنة فأمر عثمان رضي الله عنه أن تجمع هذه الصحف في مصحف واحد ؛ لئلا يختلف الناس ، فيتنازعوا في كتاب الله تعالى ويتفرقوا. الفرق بين جمعه وجمع أبي بكر رضي الله عنهما أن الغرض من جمعه في عهد أبي بكر الله عنه تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف ، حتى لا يضيع منه شئ دون أن يحمل الناس على الاجتماع على مصحف واحد لأنه لم يظهر أثر لاختلاف قراءاتهم يدعو إلى حملهم على الاجتماع على مصحف واحد . وأما الغرض من جمعه في عهد عثمان رضي الله عنه فهو تقييد القرآن كله مجموعا في مصحف واحد يحمل الناس على الاجتماع عليه لظهور الأثر المخيف باختلاف القراءات. وحصلت بهذا الجمع المصلحة العظمى للمسلمين من اجتماع الأمة ، واتفاق الكلمة وحلول الألفة واندفعت به مفسدة كبرى من تفرق الأمة ، واختلاف الكلمة ، تفشو البغضاء ، والعداوة . وبقي على ما كان عليه حتى الآن متفقا عليه بين المسلمين متواترا بينهم يتلقاه الصغير عن الكبير لم تعبث به أيدي المفسدين ولم تطمسه أهواء الزائغين القرآن محكم ومتشابه يتنوع القرآن باعتبار الإحكام والتشابه إلى ثلاثة أنواع : النوع الأول : الإحكام العام الذي وصف به القرآن كله مثل قوله تعالى : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) . معناه الإتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه فهو في غاية الفصاحة والبلاغة. النوع الثاني : التشابه العام الذي وصف به القرآن كله مثل قوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) معناه أن القرآن كله يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة والغايات الحميدة. النوع الثالث : الإحكام الخاص ببعضه والتشابه الخاص ببعضه مثل قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) معناه أن يكون معنى الآية واضحا جليا لا خفاء فيه موقف الراسخين في العلم والزائغين من المتشابه الله تعالى قال في الزائغين : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) وقال في الراسخين في العلم : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) فالزائغين يتخذون من هذه الآيات المشتبهات وسيلة للطعن في كتاب الله وفتنة الناس عنه وتأويله لغير ما أراد الله فيضلون ويضلون . أنواع التشابه في القرآن التشابه الواقع في القرآن نوعان : 1. حقيقي ما لا يمكن أن يعلمه البشر كحقائق صفات الله وإن كنا نعلم معانيها لكننا لا ندرك حقائقها وكيفيتها لقوله تعالى : ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) لما سئل الإمام مالك عن قوله تعالى : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة هذا النوع لا يسأل عن استكشافه لتعذر الوصول إليه . 2. نسبي ما يكون مشتبها على بعض الناس دون بعض فيكون معلوما للراسخين في العلم دون غيرهم وهذا النوع يسأل عن استكشافه وبيانه لإمكان الوصول إليه إذ لا يوجد في القرآن شئ لا يتبين معناه لأحد من الناس قال تعالى (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه لو كان القرآن كله محكما لفاتت الحكمة من الاختبار به تصديقا وعملا لظهور معناه وعدم المجال لتحريفه والتمسك بالمتشابه ابتغاء الفتنة ولو كان كله متشابها لفات كونه بيانا وهدى للناس ولما أمكن العمل به وبناء العقيدة السليمة عليه موهم التعارض في القرآن التعارض في القرآن أن تتقابل آيتان يمنع مدلول إحداهما مدلول الأخرى مثل أن تكون إحداهما مثبته لشيء والأخرى نافية فيه. ولا يمكن أن يقع التعارض بين آيتين مدلولهما خبري لأنه يلزم كون إحداهما كذبا وهو مستحيل في أخبار الله ولا يمكن أن يقع التعارض بين آيتين مدلولهما حكمي لأن الأخيرة منهما ناسخة للأولى وإذا ثبت النسخ كان حكم الأولى غير قائم ولا معارض للأخيرة . إذا رأيت ما يوهم التعارض حاول الجمع بينهما فإن لم يتبين وجب عليك التوقف وتكل الأمر إلى عالمه . ذكر العلماء أمثلة كثيرة لما يوهم التعارض بينوا الجمع في ذلك ومن أجمع ما رأيت في هذا الموضوع كتاب " دفع إيهام الاضطراب عن أي الكتاب " للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى .
ترجمة القرآن التعبير عن معناه بلغة أخرى
الترجمة نوعان : أحدهما : ترجمة حرفية بأن يوضع ترجمة كل كلمة بازائها . الثاني : ترجمة معنوية أو تفسيرية بأن يعبر عن معنى الكلام بلغة أخرى من غير مراعاة المفردات والترتيب .
حكم ترجمة القرآن : الترجمة الحرفية للقرآن مستحيلة عند كثير من أهل العلم لأنه يشترط فيها شروط لا يمكن تحققها معها وهي : 1. وجود مفردات في اللغة المترجم إليها بازاء حروف اللغة المترجم منها . 2. وجود أدوات للمعاني في اللغة المترجم إليها مساوية أو مشابهة للأدوات في اللغة المترجم منها . 3. تماثل اللغتين المترجم منها وإليها في ترتيب الكلمات حين تركيبها في الجمل والصفات والإضافات قال بعض العلماء : إن الترجمة الحرفية يمكن تحققها في بعض آية ، أو نحوها، ولكنها وإن أمكن تحققها في نحو ذلك محرمة لأنها لا يمكن أن تؤدي المعنى بكماله ولا أن تؤثر في النفوس تأثير القرآن المبين ولا ضرورة تدعو إليها للاستغناء عنها بالترجمة المعنوية .
الترجمة المعنوية جائزة في الأصل لأنه لا محذور فيها وقد تجب حين تكون وسيلة إلى إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين بالعربية لأن إبلاغ ذلك واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب لكن يشترط لجواز ذلك شروط :
1. لا تجعل بديلا عن القرآن بحيث يستغني بها عنه فلا بد أن يكتب القرآن باللغة العربية وإلى جانبه هذه الترجمة لتكون كالتفسير له 2. أن يكون المترجم عالما بمدلولات الألفاظ في اللغتين المترجم منها وإليها وما تقتضيه حسب السياق . 3. أن يكون عالما بمعاني الألفاظ الشرعية في القرآن ولا تقبل الترجمة للقرآن إلا من مأمون عليها يكون مسلما مستقيما في دينه. المشتهرون بالتفسير من الصحابة منهم الخلفاء الأربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم إلا أن الرواية عن الثلاثة الأولين لم تكن كثيرة لانشالغهم بالخلافة وقلة الحاجة إلى النقل في ذلك لكثرة العالمين بالتفسير . أيضا : عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس. 1. على بن أبي طالب : - ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وزوج فاطمة رضي الله عنه وعنها - أول من آمن به من قرابته كنيته أبو الحسن وأبو تراب . - ولد قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بعشر سنين وتربي في حجره صلى الله عليه وسلم وشهد معه المشاهد كلها وكان صاحب اللواء في معظمها لم يتخلف إلا عن غزوة تبوك خلفه صلى الله عليه وسلم في أهله - نقل له من المناقب والفضائل ما لم ينقل لغيره. - اشتهر رضي الله عنه بالشجاعة والذكاء مع العلم - روي عن علي أنه كان يقول : سلوني سلوني وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار - قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا جاءنا الثبت عن علي لم نعدل به - وروي عنه أنه قال : ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب . - كان أحد أهل الشورى الذي رشحهم عمر رضي الله عنه لتعيين الخليفة - بويع بالخلافة بعد عثمان حتى قتل شهيدا في الكوفة ليلة السابع عشر من رمضان سنة40 من الهجرة رضي الله عنه . 2. عبد الله بن مسعود : - عبد الله بن مسعود بن غافل الهزلي وأمه أم عبد كان ينسب إليها أحيانا . - من السابقين الأولين في الإسلام هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد . - تلقى من النبي صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة من القرآن . - قال له صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام : " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " - في صحيح البخاري أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله . - وقال: والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم منى بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه - كان ممن خدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان صاحب نعليه وطهوره ووسادة حتى قال أبو موسى الأشعري : قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم . - قال فيه حذيفة : ما أعرف أحدا أقرب هديا وسمتا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد. - بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة ليعلمهم أمور دينهم وبعث عمارا أمير وقال : إنهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأقتدوا بهما . - أمره عثمان على الكوفة ثم عزله وأمره بالرجوع إلى المدينة فتوفي فيها سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وسبعين سنة . 3. عبد الله بن عباس : - ابن عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم ولد قبل الهجرة بثلاث سنين . - لازم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ابن عمه وخالته ميمونة تحته صلى الله عليه وسلم . - ضمه صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال : اللهم علمه الحكمة وفي رواية : الكتاب وقال له حين وضع له وضوءه : اللهم فقه في الدين . - كان عمر بن الخطاب يدعوه إلى مجالسه ويأخذ بقوله فقال المهاجرون : ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ ! فقال لهم : ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول ، ثم دعاهم ذات يوم فأدخله معهم ليريهم منه ما رآه ، فقال عمر : ما تقولون في قول الله تعالى : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) حتى ختم السورة ، فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا فتح علينا ، وسكت بعضهم ، فقال عمر لابن عباس : أكذلك تقول ؟ قال : لا ، قال : فما تقول؟ قال : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه الله له إذا جاء نصر الله ، والفتح فتح مكة ، فذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك ، واستغفره إنه كان توابا ، قال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم ، . - قال ابن مسعود رضي الله عنه : لنعم ترجمان القرآن ابن عباس ، لو أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد ، أي ما كان نظيرا له ، هذا مع أن ابن عباس عاش بعده ستا وثلاثين سنة ، فما ظنك بما اكتسب بعهده من العلم . - قال ابن عمر لسائل سأله بما أنزل عن آية : انطلق إلى ابن عبسا فا سأله فإنه اعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. - قال عطاء : ما رأيت قط أكرم من مجلس ابن عباس فقها وأعظم خشية ، إن أصحاب الفقه عنده ، وأصحاب القرآن عنده ، وأصحاب الشعر عنده ، يصدرهم كلهم من واد واسع . - قال أبو وائل : خطبنا ابن عباس وهو على الموسم ( أي وال على موسم الحج من عثمان رضي الله عنه ) فافتتح سورة النور لجعل يقرأ ويفسر ، فجعلت أقول ما رأيت، ولا سمعت كلام رجل مثله ، ولو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت ، ولاه البصرة فلما قبل مضى إلى الحجاز فأقام في مكة ثم خرج إلى الطائف فمات فيها سنة ثمان وستين عن إحدى وسبعين سنة . المشتهرون بالتفسير من التابعين 1. أهل مكة أتباع ابن عباس كمجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح . 2. أهل المدينة اتباع أبي بن كعب كزيد بن أسلم وأبي العالية ومحمد بن كعب القرطبي . 3. أهل الكوفة أتباع ابن مسعود كقتادة وعلقمة والشعبي . مجاهد : - مجاهد بن جبر المكي مولى السائب بن أبى السائب المخزومي - ولد سنة إحدى وعشرين من الهجرة وأخذ تفسير القرآن عن ابن عباس رضي الله عنهما - روى ابن إسحاق عنه أنه قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها - كان سفيان الثوري يقول : إذا جاءت التفسير عن مجاهد فحسبك به - اعتمد تفسيره الشافعي والبخاري وكان كثيرا ما ينقل عنه في صحيحه - قال الذهبي في آخر ترجمته : أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به . - توفي في مكة وهو ساجد سنة أربع ومائة عن ثلاث وثمانين سنة . قتادة : - قتادة بن دعامة السدوسي البصري . - ولد أعمى سنة إحدى وستين . - جد في طلب العلم كان له حافظة قوية حتى قال في نفسه : ما قلت لمحدث قط أعد لي وما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي - ذكره الإمام أحمد فأطنب في ذكره فجعل ينشر من علمه وفقه ومعرفته بالاختلاف والتفسير ووصفه بالحفظ والفقه وقال : قلما تجد من يتقدمه . - وقال : هو أحفظ أهل البصرة، لم يسمع شيئا إلا حفظه ، توفي في واسط سنة سبع عشرة ومائة عن ستة وخمسين سنة التفسير لغة : من الفسر وهو الكشف عن المغطى . اصطلاحا بيان معاني القرآن الكريم . تعلم التفسير واجب لقوله تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) وجه الدلالة أن الله بين أن الحكمة من إنزال هذا القرآن أن يتدبر الناس آياته ويتعظوا بما فيها والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها فإذا لم يكن ذلك فاتت الحكمة من إنزال القرآن وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها ولا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه . قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذي كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات ، لم يجاوزوها ، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا . الواجب على المسلم في تفسير القرآن الواجب أن يشعر نفسه حين يفسره بأنه مترجم عن الله شاهد عليه بما أريد من كلامه معظما لهذه الشهادة خائفا من أن يقول على الله بلا علم ، فيقع فيما حرم الله. المرجع في تفسير القرآن يرجع في تفسير القرآن إلى ما يأتي : 1- كلام الله: يفسر القرآن بالقرآن لأن الله هو الذي أنزله وهو أعلم بما أراد به 2- كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر القرآن بالسنة لأنه صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله فهو أعلم الناس بمراد الله تعالى كلامه. 3- كلام الصحابة رضي الله عنهم لأن القرآن نزل بلغتهم وفي عصرهم ولأنهم بعد الأنبياء أصدق الناس في طلب الحق وأسلمهم من الأهواء وأطهرهم من المخالفة التي تحول بين المرء وبين التوفيق للصواب 4- كلام التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة رضي الله عنهم لأن التابعين خير الناس بعد الصحابة وأسلم من الأهواء ممن بعدهم . ولم تكن اللغة العربية تغيرت كثيرا في عصرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: إذا أجمعوا - يعني التابعين - على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو ألسنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك . 5- ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق فإن اختلف المعنى الشرعي واللغوي أخذ بما يقتضيه الشرعي لأن القرآن نزل لبيان الشرع إلا أن يكون دليل يترجح به المعنى اللغوي فيؤخذ به . الاختلاف الوارد في التفسير المأثور الاختلاف الوارد في التفسير المأثور على ثلاثة أقسام : 1. اختلاف في اللفظ دون المعنى لا تأثير له في معنى الآية مثل قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) قال ابن عباس : قضي : أمر وقال مجاهد : وصي وقال الربيع بن انس : أوجب وهذه التفسيرات معناها واحد او متقارب فلا تأثير لهذا الاختلاف في معنى الآية . 2. اختلاف في اللفظ والمعنى الآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما فتحمل الآية عليهما ، وتفسر بهما ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل واحد من القولين على وجه التمثيل لما تعنيه الآية أو التنويع مثاله قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ)(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) قال ابن مسعود : هو رجل من بني إسرائيل ، عن ابن عباس أنه : رجل من أهل اليمن ، وقيل : رجل من أهلا لبلقاء. والجمع بين هذه الأقوال أن تحمل الآية عليها كلها لأنها تحتملها من غير تضاد ويكون كل قول ذكر على وجه التمثيل . 3. اختلاف اللفظ والمعنى الآية لا تحتمل المعنيين معا للتضاد بينهما فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلاله السياق أو غيره . مثال ذلك قوله تعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال ابن عباس : غير باع في الميتة ولا عاد من أكله وقيل : غير خارج على الإمام الثاني لأن المقصود بحل ما ذكر دفع الضرورة وهي واقعة في حال الخروج على الإمام وفي حال الفسر المحرم وغير ذلك . القسم بفتح القاف والسين اليمين هو تأكيد الشيء بذكر معظم بالواو أو إحدى أخواتها أدواته ثلاث : 1. الواو مثل قوله تعالى : (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقّ) يحذف معها العامل وجوبا ولا يليها إلا اسم ظاهر . 2. الباء مثل قوله تعالى (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يجوز معها ذكر العامل كما في هذا المثال ويجوز حذفه كقوله تعالى عن إبليس : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) يجوز أن يليها اسم ظاهر كما مثلنا وأن يليها ضمير كما في قولك: الله ربي وبه أحلف لينصرن المؤمنين . 3. التاء مثل قوله تعالى : (اللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) يحذف معها العامل وجوبا ولا يليها إلا اسم الله أو رب مثل : ترب الكعبة لاحجن إن شاء الله . الأصل ذكر المقسم به وهو كثير - قد يحذف وحده مثل قولك : أحلف عليك لتجتهدن . - قد يحذف مع العامل وهو كثير مثل قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) الأصل ذكر المقسم عليه وهو كثير مثل قوله تعالى (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُن) - قد يحذف جوازا مثل قوله تعالى (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وتقديره ليهلكن . - قد يحذف وجوبا إذا تقدمه أو اكتنفه ما يغني عنه قاله ابن هشام في المغني ومثل له بنحو : زيد قائم والله ، وزيد والله قائم . للقسم فائدتان : 1. بيان عظمة المقسم به . 2. بيان أهمية المقسم عليه وإرادة توكيده لا يحسن القسم إلا في الأحوال التالية : 1. أن يكون المقسم عليه ذا أهمية . 2. أن يكون المخاطب مترددا في شأنه . 3. أن يكون المخاطب منكرا له . القصص لغة : تتبع الأثر . اصطلاحا : الإخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعضا . قصص القرآن . - أصدق القصص لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى . - أنفع القصص لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق . القصص ثلاثة أقسام : 1. قسم عن الأنبياء والرسل وما جرى لهم مع المؤمنين والكافرين . 2. قسم عن أفراد وطوائف جرى لهم ما فيه عبرة فنقله الله تعالى عنهم كقصة مريم ولقمان والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وذي القرنين وقارون وأصحاب الكهف وأصحاب الفيل وأصحاب الأخدود وغير ذلك . 3. قسم عن حوادث وأقوام في عهده صلى الله عليه وسلم كقصة غزوة بدر وأحد والأحزاب وبني قريظة وبني النضير وزيد بن حارثة وأبي لهب وغير ذلك . للقصص في القرآن حكم كثيرة عظيمة: 1. بيان حكمة الله فيما تضمنته هذه القصص. 2. بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين . 3. بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين. 4. تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المكذبين له. 5. ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد. 6. تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم. 7. إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل . تكرار القصص من القصص القرآنية ما لا يأتي إلا مرة واحدة مثل قصة لقمان ، وأصحاب الكهف ومنها ما يأتي متكررا حسب ما تدعو إليه الحاجة ولا يكون على وجه واحد بل يختلف في الطول والقصر واللين والشدة وذكر بعض جوانب القصة في موضع دون آخر . الحكمة في هذا التكرار 1. بيان أهمية تلك القصة لأن تكرارها يدل على العناية بها . 2. توكيد تلك القصة لتثبت في قلوب الناس . 3. مراعاة الزمن وحال المخاطبين بها ولهذا تجد الإيجاز والشدة غالبا فيما أتى من القصص في السور المكية والعكس فيما أتى في السور المدنية . 4. بيان بلاغة القرآن في ظهور هذه القصص على ما تقضيه الحال 5. ظهور صدق القرآن وأنه من عند الله حيث تأتي متنوعة بدون تناقص . الإسرائيليات الأخبار المنقولة عن بني إسرائيل من اليهود وهو الأكثر أو من النصارى تنقسم هذه الأخبار إلى ثلاثة أنواع : 1. ما أقره الإسلام وشهد بصده فهو حق . مثاله ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول : أنا الملك ، فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ). 2. ما أنكره الإسلام وشهد بكذبه فهو باطل . اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) 3. ما لم يقره الإسلام ولم ينكره يجب التوقف فيه لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: ( آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) التحدث بهذا النوع جائز إذا لم يخش محذور لقوله صلى الله عليه وسلم : " بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده م النار "رواه البخاري. سؤال أهل الكتاب عن شئ من أمور الدين حرام لما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ ، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله محضا ، لم يشب ، وقد حدثكم أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتاب الله ، وغيروا ، فكتبوا بأيدهم ، قالوا : هو من عند الله ؛ ليشتروا بذلك ثمنا قليلا أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ؟ فلا والله رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم. موقف العلماء من الإسرائيليات اختلفت موافق العلماء ولا سيما المفسرون من هذه الإسرائيليات على ثلاثة أنحاء : 1. منهم من أكثر منها مقرونة بأسانيدها ورأى أنه بذكر أسانيدها خرج من عهدتها مثل ابن جرير الطبري. 2. منهم من أكثر منها وجردها من الأسانيد غالبا فكان حاطب ليل مثل البغوي الذي قال ابن تيميه عن تفسيره : إنه مختصر من الثعلبي لكنه خاصته عن الأحاديث الموضوعية والآراء المبتدعة وقال عن الثعلبي : إنه حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع . 3. منهم من ذكر كثيرا منها وتعقب البعض مما ذكره بالتضعيف أو الإنكار مثل ابن كثير . 4. منهم من بالغ في ردها ولم يذكر منها شيئا يجعله تفسيرا للقرآن كمحمد رشيد رضا . الضمير لغة : من الضمور وهو الهزال لقلة حروفه أو من الإضمار وهو الإخفاء لكثرة استتاره . اصطلاحا : ما كني به عن الظاهر اختصارا وقيل : ما دل على حضور ، أو غيبة لا من مادتهما. الدال على الحضور نوعان : 1. ما وضع للمتكلم مثل : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّه). 2. ما وضع للمخاطب مثل : (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ). هذان لا يحتاجان إلى مرجع اكتفاء بدلالة الحضور عنه الدال على الغائب ما وضع للغائب لابد له من مرجع يعود عليه . والأصل في المرجع - أن يكون سابقا على الضمير لفظا ورتبه مطابقا له لفظا ومعنى مثل: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ ) . - قد يكون مفهوما من مادة الفعل السابق مثل : ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) . - قد يسبق لفظا لا رتبة مثل : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ ) - قد يسبق رتبة لا لفظا مثل : (حمل كتابه الطالب ) . - قد يكون مفهوما من السياق مثل : ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَد) فالضمير يعود على الميت المفهوم من قوله : (مما ترك ) . - قد لا يطابق الضمير معنى مثل : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلسلة من طين ثم جعلناه نطفة ) فالضمير يعود على الإنسان باعتبار اللفظ لأن المجعول نطفة ليس الإنسان الأول . - إذا كان المرجع صالحا للمفرد والجمع جاز عود الضمير عليه بأحدهما مثل : ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) - الأصل اتحاد مرجع الضمائر إذا تعددت مثل : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(6) وهو بالأفق الأعلي (7)ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى(9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى(10) ضمائر الرفع في هذه الآيات تعود إلى شديد القوى وهو جبريل . - الأصل عود الضمير على أقرب مذكور إلا في المتضايفين فيعود على المضاف لأنه المتحدث عنه مثال أول : (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيل). مثال الثاني ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ). - قد يأتي على خلاف الأصل فيما سبق بدليل يدل عليه . الإظهار في موقع الإضمار الأصل أن يؤتى في مكان الضمير بالضمير لأنه أبين للمعنى وأخصب للفظ ولهذا ناب الضمير بقوله تعالى ( أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) عن عشرين كلمة المذكورة قبله وربما يؤتى مكان الضمير بالاسم الظاهر وهو ما يسمى ( الإظهار في موضع الإضمار ) وله فوائد كثيرة تظهر بحسب السياق منها : - الحكم على مرجعه بما يقتضيه الاسم الظاهر . - بيان علة الحكم . - عموم الحكم لكل متصف بما يقتضيه الاسم الظاهر . قد يتعين الإظهار كما لو تقدم الضمير مرجعان يصلح عوده إلى كل منهما والمراد أحدهما مثل : اللهم أصلح المسلمين ولاة أمورهم وبطانة ولاة أمورهم إذ لو قيل : وبطانتهم لأوهم أن يكون المراد بطانة المسلمين . ضمير الفصل حرف بصيغة ضمير الرفع المنفصل يقع بين المبتدأ والخبر إذا كان معرفتين يكون بضمير المتكلم كقوله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ) وبضمير المخاطب كقوله تعالى : ( كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم) وضمير الغائب كقوله تعالى : وأولئك هم المفلحون له ثلاثة فوائد : 1. التوكيد فقولك : زيد هو أخوك أوكد من قولك : زيد أخوك . 2. الحصر هو اختصاص ما قبله لما بعده فقولك المجتهد هو الناجح يفيد اختصاص المجتهد بالنجاح . 3. الفصل أي التمييز بين كونه ما بعده خبرا أو تابعا فقولك : زيد الفاضل يحتمل أن تكون الفاضل صفة لزيد والخبر منتظر ، ويحتمل أن تكون الفاضل خبرا وإذا قلت : زيد هو الفاضل تعين أن تكون الفاضل خبرا لوجود ضمير الفصل . الالتفات تحويل أسلوب الكلام من وجه إلى آخر وله صور منها : 1. الالتفات من الغيبة إلى الخطاب كقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حول الكلام من الغيبة إلى الخطاب في قوله : إياك 2. الالتفات من الخطاب إلى الغيبة كقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) حول الكلام من الخطاب إلى الغيبة بقوله وجرينا بهم . 3. الالتفات من الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) حول الكلام من الغيبة إلى التكلم في قوله وعينا . 4. الالتفات من التكلم إلى الغيبة كقوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر) حول الكلام من التكلم إلى الغيبة بقوله لربك .
للالتفات فوائد منها : 1. حمل المخاطب على الانتباه لتغير وجه الأسلوب عليه . 2. حمله على التفكير في المعنى. 3. دفع السآمة والملل عنه. 4. هذه الفوائد عامة للالتفاتات في جميع صوره أم الفوائد الخاصة فتتعين في كل صورة حسب ما يقتضيه المقام . والله أعلم . وصلي الله وسلم على بينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . تم لله الحمد رب العالمين .
المختصر الثمين من أصول في التفسير لابن عثيمين -رحمه الله-