"الشعب يريد".. عبارة تحولت إلى نشيد تردده الشعوب في كل الأوطان العربية من المحيط إلى الخليج، ودخل قاموس الجزائريين شئنا أم أبينا، وصار الكل يريد، ولكن مهما تعددت الاحتجاجات واختلفت المطالب، ومهما انتقدنا وغضبنا وقسونا على بعضنا البعض، ومهما اختلفنا أو اتفقنا، فإننا في الجزائر -دون مزايدة أو مغالاة- لا نريد المستحيل، ولا نطالب إلا بالعزة والكرامة والحرية والمساواة التي قامت من أجلها ثورتنا التحريرية، ولا نسعى إلا للعيش الكريم في وطن -لا نملك غيره- يكون للجميع، وليس لفئة أو جهة دون أخرى..
لمن لم يرَ أو يسمع، ولم يَعِ أو يفهم حتى الآن، ولمن لم يستوعب هذا الحراك الحاصل في العالم العربي وعندنا، ولم يدرك أننا لسنا في معزل عن هذا العالم، فإن الشعب الجزائري لن يفرط في السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار، ولا يريد ركوب موجة التغيير من أجل زعزعة استقرار البلد كما يتهمه البعض، ولكنه لن يتنازل عن إرادته في تغيير الممارسات والذهنيات، ولا عن إرادته في التطلع إلى وطن تتكافأ فيه الفرص بين أبنائه، ويتنفس فيه الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولا تُنهب فيه الثروات والأموال والمكتسبات، ولا مجال فيه للحقرة والظلم.. وطن يتبوأ المكانة التي يستحقها بين الأوطان.
- الشعب يريد التجديد ويريد مؤسسات وطنية شرعية تعبر عن إرادته لا عن إرادة شخص أو فئة مهما كانت طبيعتهما، ويريد ممثلين في مختلف الهيئات المنتخبة يعبّرون عن اختياراته فعلا وعن انشغالاته اليومية ويتحملون مسؤولياتهم.
- الشعب يريد عقدا اجتماعيا جديدا يأخذ بعين الاعتبار كل الحساسيات والمتغيرات ومكونات المجتمع دون إقصاء، ويريد للجزائر أن تكون في مستوى تضحيات أجدادنا وآبائنا وأبنائنا في كل المراحل والمحن، ولا يريد استغلال تذمره وغضبه واحتجاجاته لأغراض سياسية أو حـية ضيقة.
- الشباب يريد العدل والمساواة والحرية وتكافؤ الفرص بعيدا عن الجهوية والمحسوبية، ولا يريد صدقة أو عطفا من أحد، بل يريد مجتمعا متفتحا ينظر إليه على أنه قوة خلاقة مبدعة، وليس عبئا على المجتمع يجب تكميم أفواهه وإسكاته بمسكنات وإجراءات شعبوية ومرحلية. لقد تعب الشباب من التهميش والوعود الكاذبة، وفقد الأمل في جزائر حديثة وعصرية تتحدث عن المستقبل وتتخلص من الجهوية والمحسوبية ومن الشرعية التاريخية والثورية، وتتوجه نحو شرعية الكفاءة والاستحقاق.
- الطالب يريد سياسة تربوية وتعليمية حديثة ومنشآت ومرافق في متناول المواهب الجزائرية، تفتح له أبواب المستقبل وتجعل منه قوة مبدعة قادرة على المساهمة في بناء الجزائر، ويريد إشراكه في تجسيد مشروع المجتمع الذي نريده لأبنائنا في عصر التقنيات ووسائل الإعلام الحديثة.
- المعلم والأستاذ يريدان التقدير والاحترام لدورهما في التنشئة الاجتماعية، ويريدان إشراكهما في صياغة مشروع المدرسة التي نريدها لأبنائنا، ومشروع الجامعة التي تكون مصدر الفكر والإبداع والإشعاع العلمي والثقافي، لا مقبرةً للمواهب ومصدرا لبطالين جدد من حاملي الشهادات.
- البطال يريد سياسة تشغيل في مستوى تطلعاته وإمكانيات بلده التي تستطيع توظيف الملايين في مشاريع يسمع عنها ويشاهد الدعاية لها على شاشة التلفزيون دون أن يلمسها على أرض الواقع، ويريد البقاء في وطنه لا المغامرة والموت في أعماق البحار بحثا عن وهم مفقود في أوربا.. إنه يريد أكل السمك، لكنْ بعد تلقينه كيف يصطاده!
- السياسي يريد ممارسة حقه في إبداء الرأي والتعبير عنه في الشارع ووسائل الإعلام العمومية وداخل المؤسسات، ولا يريد إخفاقات سياسية أخرى للبلد، كما لا يريد تخوين المعارض وتصنيفه ضمن خانة أعداء الوطن لأنه لا يطبل ولا يزمر ولا يخوض مع الخائضين.
- الصحفي والفنان يريدان قانونا خاصا بهما يحفظ حقوقهما ويقنن ممارستهما، ويمكّنهما من أداء واجباتهما تجاه المجتمع بكل حرية ومسؤولية، والمهندس والطبيب والطيار يريدون ممارسة مهنهم في ظروف أفضل وبرواتب تغنيهم عن الهجرة نحو الخارج.
- الرياضي يريد سياسة رياضية ناجحة، ومرافق ومنشآت تسمح له بممارسة الرياضة في أحسن الظروف، وإثبات ذاته من خلال تحقيق أفضل النتائج. ونوادي كرة القدم تريد التألق، ولكنها بحاجة إلى وفاء السلطات العمومية بالتزاماتها ومرافقتها في دخول عالم الاحتراف. أما الرياضات الأخرى فتريد التفاتة من الدولة للاعتناء بها وتوفير الإمكانيات لها، والاهتمام بالملايين الذين يمارسون هواياتهم في ظروف صعبة وقاسية.
- أخواتنا وأمهاتنا يردن العدالة والأمان وتكافؤ الفرص مع إخوانهم الرجال، والمرأة العاملة تريد الاطمئنان في مقر عملها، والأم الماكثة في البيت تريد لأبنائها الخير والاطمئنان على مستقبلهم في ظل مجتمع يسوده الوئام والأمان.
كل هؤلاء أبناء الجزائر، وعندما يريدون سيتحقق مبتغاهم لا محالة، وعندما يريدون نفعل المستحيل من أجل تلبية مطالبهم المعقولة والمشروعة، لأن الشعب أثبت مرة أخرى أنه لا يريد فتنة أخرى ولا يريد المغامرة، ولكنه يريد التغيير والتجديد وذهاب الوجوه المستفزة، ولا يريد سكنا ولقمة عيش ومنصب شغل فقط، بل يريد أيضا عدالة اجتماعية وديمقراطية تمكّنه من الحصول على حقوقه والقيام بواجباته.
وعندما نهتم بالشباب والتلاميذ والطلاب والأساتذة والمثقفين والبطالين وذوي الاحتياجات الخاصة ونوفر لهم ظروف العيش الكريم، فإننا نهتم بشعب عظيم دفع ثمن الحرية غاليا ويستحق كل التقدير والاحترام، بل وكل التضحيات من أجل خدمته وتلبية مطالبه.
وعندما نهتم بإعادة بناء المؤسسات، ونؤسس لثقافة الدولة، ونحافظ على المكتسبات، ونسعى لتحقيق المزيد في ظل الشفافية والعدالة الاجتماعية فإننا نهتم بوطن عزيز علينا جميعا..
الشعب بكل فئاته أصبح يريد.. بعدما حقق لكم كل ما تريدون، فهل من رد للجميل على الأقل؟!
المصدر
http://www.echoroukonline.com/ara/aklam/analyses/derraji/70405.html