الحمد لله و الصلاة على رسول الله مازالت مسيرتنا متواصلة مع صفحات من حياة أئمتنا الأعلام و اليوم مع رجل عظيم كثير منا من لا يعرف سيرته فعسى أن نعرف من خلال هذه السطور من هو الشيخ مبارك الميلي رحمه الله..
نسبه و نشأته رحمه الله :
هو مبارك بن محمد إبراهيمي الميلي الجزائري، ولد رحمه الله سنة 1898م
الموافق لـ1316هـ تقريبا في "دوار أولاد مبارك" من قرى الميلية من أحواز
قسنطينة.
نشأ الشيخ مبارك بالبادية نشأة القوة و الصلابة و الحرية ، و ربي يتيماً،فبعيد
وفاة والده محمد ، توفيت أمه تركية بنت أحمد بن فرحات حمروش ، فكفله جده
"رابح " ثم عماه "علاوة" و" أحمد".
طلبه للعلم:
نزح الشيخ رحمه الله إلى بلدة "ميلية" التي كانت تستقطب طلاب
حفظ القرآن بصدر رحب و كرم مشكور و هناك حفظ القرآن ، و زاول الدروس العلمية
الابتدائية على الشيخ الزاهد "ابن معنصر الميلي"و قد أهلته هذه الدروس
للالتحاق بدروس الشيخ العلامة "عبد الحميد ابن باديس" بالجامع الأخضر،
وهناك وجد بغيته في دروس الشيخ الحية و تلقى منه الأفكار الإصلاحية بحماس و إيمان
.
التحق الشيخ مبارك بجامع الزيتونة بتونس و انخرط في سلك تلاميذه
و أخذ عن جلة رجال العلم و المعرفة به ممن انتفع بهم أستاذه ابن باديس رحمه الله ،
و قد كان هناك في تلك السنوات التي قضاها مثلا للطالب المكب المجتهد ، فرجع من
تونس بشهادة التطويع سنة 1924
م .
أعماله الدعوية :
قال الأستاذ عبد الحفيظ الجنان رحمه الله :.." و بعد تحصيله على
شهادة التطويع رجع إلى قسنطينة ، حاملا معه "مسودة قانون أساسي " ليحث
الطلاب و أهل العلم على إنشاء مطبعة كبرى تطبع المخـت ، وتنشر الجرائد و
المجلات لتحي أمته حياة عملية لا نظرية ، ووجد أستاذه الشيخ عبد الحميد قد بعث
بقلمه صيحة مدوية في أرجاء الوطن داعية إلى الخلاص من ربقة الشرك و التحرير من
أغلال العبودية فأصدر جريدة "المنتقد " ثم أخرج بعدها "الشهاب
" الأسبوعي ، وظل كذلك يكافح وحده إلى أن رفع مبارك قلمه و انضوى تحت لواء
أستاذه بالأمس و صاحبه في الحال ،و قال له :ها أنا ذا فكان الفتى المقدام و
المناصر الهمام "....و في سنة 1926م انتقل إلى الأغواط بدعوة من أهلها ، و
زرع فيهم بذرة العلم الصحيح ، وقضى في هذه المدينة سبع سنوات أسس فيها مدرسة
" مدرسة الشبيبة " و هي من أولى المدارس العصرية و النادرة في ذلك الوقت
، كما أسس بعدها "الجمعية الخيرية "لإسعاف الفقراء و المساكين و
الأيتام .و كان له دروس ليلية في الوعظ و الإرشاد يلقيها بالمسجد على عامة الناس ،
كما كان يخرج إلى "الجلفة "شمالاً، و "بوسعادة "شرقاً و
"آفلو" غرباً لإلقاء دروس يدعوا فيها بالتمسّك بالكتاب و السنة و نفض
غبار الجهل و الكسل و محاربة البدعة في الدين.....و أنشأ الشيخ رحمه الله في مدينة
الأغواط حركة علمية قوية و سير منها البعثات الدراسية نحو " جامع الزيتونة
" على غرار ما كان يفعل أستاذه ابن باديس رحمه الله ....و في سنة 1931 م أسست "جمعية
العلماء المسلمين الجزائريين "و كان الشيخ مبارك عضواً في مجلس إدارتها
و أمينا لماليتها .ثم رجع الشيخ رحمه الله إلى موطن الصبا "ميلة" فأنشأ
فيها جامعا كان خطيبه و الواعظ المرشد فيه ، ومدرسة " الحياة "التي أشرف
على سير التعليم فيها ، ونادي " الإصلاح "الذي يحاضر فيه .ثم أسند له
رئاسة تحرير جريدة " البصائر" الأسبوعية بعد الشيخ الطيب العقبي رحمه
الله تعالى.و في سنة 1940م لما توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، عُين
خلفا له في إدارة شؤون " الجامع الأخضر" و الإشراف على الدروس
فيه. ثناء
العلماء عليه :
لقد كان الشيخ مبارك سلفيا ، حيث قال عنه
العلامة الإبراهيمي:" ..فَقَدته المحافل الإصلاحية ، فقدت منه عالما بالسلفية الحقة عاملا بها صحيح
الإدراك لفقه
الكتاب و السنة، واسع الإطلاع على النصوص والفهوم ، دقيق الفهم لها، و التمييز بينها والتطبيق لكلّيّتها "
وقال الأستاذ أحمد حماني رحمه الله :" أحد علماء
الجزائر و بناة نهضتها العربية الإصلاحية".
وفاته رحمه الله تعالى:
بعد خروج الشيخ مبارك رحمه الله من " الأغواط "حوالي
سنة 1933 م
، ابتلي بداء عضال و مرض مزمن مضني " داء السكري " ، و قد حاول الشيخ
علاجه غير مرة في الجزائر بل وخارجها ، فسافر من أجله إلى " فيشي
"بفرنسا ،لكنه سرعان ما عاوده ، كما وقع له عند سماعه خبر وفاة شيخه العلاّمة
ابن باديس في إبريل 1940 م
قال رحمه الله :"عندما سمعت لدى وصولي إلى قسنطينة بموته شعرت أن الدورة
الدموية أصبحت تسير في عكس الاتجاه المعهود ، و عرفت في الحين أن داء السكري
قد عاودني و أنه لن يفارقني حتى يقضي عليّ ....و كذلك قُدِّر، فقد أخذت صحته في
الانهيار حتى وافاه الأجل يوم 25 صفر 1364هـ الموافق لـ 9 فيفري 1945م وشيعت
جنازته من الغد في موكب مهيب و في مقدمتهم الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله
تعالى ، ودفن في مقبرة الميلة رحمه الله تعالى
آثاره رحمه الله:
على الرغم من عمره القصير ـــ47 عاماًـــ ،وملازمة المرض له
واشتغاله بتأليف الرجال عن تصنيف الكتب ـ فقد خلف الشيخ مبارك رحمه الله تعالى
سِفْرين نافعين :
الأول :" تاريخ الجزائر في القديم و
الحديث " في جزئين، و هو كتاب حافل ، أثنى
عليه غير واحد، منهم شيخه ابن باديس رحمه الله الذي أرسل إليه برسالة ــ بتاريخ
15/1/1347 هـ جاء فيها:
" وقفت على الجزء الأول من كتابك ــ تاريخ الجزائر في
القديم و الحديث ــ، فقلت :ــ لو سميته حياة الجزائرــ لكان بذلك خليقا ، فهم أول
كتاب صور الجزائر في لغة الضاد صورة تامة سويّة ، بعدما كانت تلك الصورة أشلاء
متفرقة هنا و هناك ,و لقد نفخت في تلك الصورة من روح إيمانك الديني و الوطني ما
سيبقيها حية على وجه الدهر ، تحفظ اسمك تاجاً لها في سماء العُلا ، و تخطه بيمينها
في كتاب الخالدين ....أخي مبارك,...إدا كان من أحيا نفساً واحدة فكأنما أحيا الناس
جميعاً ، فكيف من أحيا أمة كاملة ؟أحيا ماضيها و حاضرها و حياتها عند أبنائها حياة
مستقبلها ، فليس و الله كفاء عملك أن تشكرك الأفراد و لكن كفاءه أن تشكرك الأجيال
" انتهت رسالته رحمه الله.
الثاني :" رسالة الشرك و مظاهره
" :و هو كتاب نفيس في بابه ،فريد في موضوعه
، لم ينسج على منواله ، و قد أقر المجلس الإداري لـ "جمعية العلماء ما اشتمل
عليه ، و دعا المسلمين إلى دراسته و العمل بما فيه ، و حرّر هذا التقرير كاتبها
العام الشيخ العربي التبسي رحمه الله تعالى بقلمه، فعدّها في أوليات الرسائل أو
الكتب المؤلفة في نصر السنن و إماتة البدع ، تقر بها عين السنة و السنيين و ينشرح
لها صدور المؤمنين ، و تكون نكبة على أولئك الغاشين للإسلام و المسلمين و من أحمرة
المستعمرين الذين يجدون من هذه البدع أكبر عون لهم على استعباد الأمم ،فيتخذون هذه
البدع التي ينسبها البدعيون إلى الدين الإسلامي مخدِّراً يخدِّرون به عقول بها
الجماهير و إذا تخدرت العقول و أصبحت تروج عليها الأوهام وجدت الأجواء التي يرجوها
غلاة المستعمرين للأمم المصابة برؤساء دينيين أو دنيويين يغشّون أممهم و يتاجرون
فيها ...كما ترك الشيخ رحمه الله تعالى مجموعة من المقالات القيمة و البحوث
النافعة و التعليقات البديعة في جرائد و مجلات " جمعية العلماء
المسلمين" كـ " المنتقد " و" البصائر " و
"الشهاب" و غيرها.....بالاضافة إلى ذلك " الرسائل الخاصة "
التي كانت متداولة بينه و بين إخوانه و التي تزيد عن مائتي رسالة .
المصدر : من بعض المواقع
بتصرف